بين كرسي مرقس وكرسي بطرس

وعد محبة للإنسانية

د. ميشال أ. عبس

الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط

الزيارة الني يقوم بها قداسة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية الى قداسة البابا فرنسيس، رأس الكنيسة الكاثوليكية، حمّالة لِمعانٍ ووعود كثيرة.

انها تأتي بمناسبة مرور خمسين سنة على الزيارة التي قام بها المثلث الرحمات البابا شنودة الثالث الى الفاتيكان، وبين الزيارتين تواصل استمر وعلاقات توطدت ومحبة تجذرت ضمن الايمان الواحد، بمتجسد رسم الزمن الخلاصي، وبكنيسة واحدة جامعة مقدسة رسولية، قال لنا السيد ان أبواب الجحيم لن تقوى عليها.

هذه الزيارة انما تعني أولا ان لا عودة الى الوراء في العلاقات بين الكنائس، بين المؤسسات والناس بعضهم البعض، لا بل تعميق للشراكة وسير دؤوب نحو وحدة لا بد محققة مهما طال الزمن.

هذه الزيارة تعني أيضا ان الذاكرة بين الكنائس لا تتلاشى والتفاعل لا يعود القهقرى، اذ ان قيادات هذه الكنائس صاحبة ذاكرة وحافظة للود والمحبة، وهي تعي تماما ما هي التبعات الايجابية لما تقوم به على صعيد العلاقات بين المسيحيين، كما بين المسيحيين وغير المسيحيين.

هذه الزيارة تعني ان ازمنة الخصام، الذي وصل تاريخيا الى حد العداء، قد ولت الى غير رجعة وان الكنيسة بمختلف تجلياتها تتطلع الى مستقبل زاهر للإنسانية تكون هي حجر زاويته.

في هذه الزيارة التاريخية، تُستحضر جميع مراحل الزمن الخلاصي لكي تكون البوصلة التي توجه تطلعات هؤلاء القادة الروحيون الى هدف ان نكون واحدا.

البابا تواضروس الثاني، كما البابا فرنسيس، يعيان خطورة واهمية هذه الزيارة وهذه اللقاءات والكلمات التي سوف تلقى والأفكار التي سوف تطرح. معرفتنا بهم، عبر عملنا في مجلس كنائس الشرق الاوسط، تعطينا اليقين على قدرة الرجلين على جعل هذه الزيارة نقطة تحول إضافية وأكثر زخما نحو العلاقات المسكونية.

خلاف الرأي لا يفسد للود قضية، لذلك يتفاعل هذان القائدان التاريخيان وهما واعيان تماما ان الفروقات بين المؤسستين باقيتين، وقد تبقيان طويلا بعد، ولكن ذلك لن يحول دون التقارب لدرجة التلاحم في بوتقة الايمان الواحد، وفي ظل الرب الواحد المخلص.

إضافة الى ذلك، ان القاء البابا تواضروس الثاني كلمة في ساحة القديس بطرس بالفاتيكان، يحمل رمزية سوف يكتب عنها الكثير، اذ انه أول بطريرك غير كاثوليكي يلقى كلمة هناك، تثبيتا وتخليدا ليوم المحبة والصداقة بين الكنيستين.

انه طريق اللارجوع. لا عودة الى ماضٍ حمل جراحا اوجعت الوجدان المسيحي وجعلته ينزف الى آخر الحدود.

كل شيء في برنامج الزيارة يرمز الى وحدة الروح ونبذ التباعد، الصلاة المسكونية المشتركة غيرالليتورجية من أجل السلام في العالم، وزيارة مكتب وحدة الكنائس في الفاتيكان، وغيرها، انما تحمل رسائل واشارات سوف يبقى صداها لأزمنة بعيدة قادمة.

اما ما يلفت النظر فهو تحليل قداسة البابا تواضروس الثاني للعلاقات بين الكنائس.

بالنسبة الى قداسته، هي على شكل الصليب، مكونة من أربعة أضلاع ترمز الى الخطوات الأربعة التي تسير بها الكنائس باتجاه الوحدة.

الخطوة الأولى يسميها اتحاد المحبة حيث تقام علاقات محبة في المسيح، وهي تأتي بعد خصام ونباعد داما حوالي خمسة عشر قرنا، وليس من السهل محو هذه الحقبة السلبية التي لا بد انها تركت آثارا تحتاج الى الكثير من الزمن من اجل بناء الثقة وتدعيم المصداقية.

اما الخطوة الثانية فهي الدراسة، حيث لا بد للكنائس من ان تدرس بعضها، أي ان تتعرف على بعضها البعض، من خلال دراسة تاريخ وعقيدة الكنائس بعضها البعض، أي ان تخرج من هذه التباعد الذي دخلت فيه منذ قرون وأدى الى هذه الغربة بين الكنائس.

 هنا يأتي الحوار، وهو الخطوة الثالثة، حيث يحصل التقارب بين الاخوة المتباعدين المتخاصمين. الحوار كان وسيبقى الوسيلة الفضلى لحل النزاعات وتقريب الناس الى بعضها البعض، وإلغاء التنابذ واسكات خطاب الكراهية.

اما الخطوة الرابعة فتتضمن الصلاة للوصول إلى اتحاد الإيمان. الصلاة معا، الصلاة المسكونية، تجربة رائدة في المسيحية الحديثة حيث يشعر الكل انهم واحد، فتذوب الفروقات عندما يبتهل المؤمنون الى خالق واحد، ملكه يشمل كل ما يرى وما لا يرى.

عبر هذه الخطوات الأربعة، يعتبر قداسة البابا تواضروس الثاني اننا نصل الى قلب المسيح وايدينا متشابكة ومتطلعين نحو مستقبل أكثر نورا واماناً.

سوف تكون لهذه الزيارة نتائج جمة، سوف تطبع ليس فقط العالم المسيحي، بل العالم بأسره لما تحمله من عبر سوف تتعلم منها الإنسانية، مفادها ان ازمنة العداوات والنزاعات والعصبيات الهوجاء قد ولت، وان البشرية تتبين افقا جديدا، قوامه المحبة والاخوة.

في نهاية هذه المقالة المرحلية حول هذه الزيارة، وهي ما زالت قي بداياتها، نقول لأصحاب القداسة، الانسانين الطيبين والمحبين والمتفانيين، نحن في مجلس كنائس الشرق الأوسط، نبرّ بتطلعاتكم ونعمل بهديكم ونسير على خطاكم في تدعيم الوحدة بين المؤمنين، كما بين الناس، عبر برامج حوار وتقارب، بشتى الاشكال، مستلهمين المخلص المتجسد، ومرتكزين على المحبة التي نشرها في العالم.

ان البشرية مثخنة بالجراح وتحتاج الى من يضمدها، وليس أفضل من اعتناق المحبة والاخوة الإنسانية المعممتين من اجل تضميد هذه الجراح، هذه المحبة التي عبّر عنها السيد بينما كانت جراحه تنزف على الصليب.

محبته تحدٍ للإنسانية برمتها، فهل ستكون على مستوى التحدي؟

Previous
Previous

متحدون في الصلاة

Next
Next

وفد من