الوئام بين الأديان

د. ميشال أ. عبس

الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط

اليوم يبدأ الأسبوع العالمي للوئام بين الأديان، الذي يعود الفضل في اطلاقه الى جلالة الملك عبد الله الثاني، ملك الأردن، في الأمم المتحدة سنة 2010 متوخيا بذلك تعزيز السلام الثقافي ونبذ العنف.

لقد تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الاقتراح واعتمدته، وحددت الأسبوع الأول من شهر شباط/فبراير على انه الأسبوع العالمي للوئام بين الأديان، كما حثت الدول والهيئات الاهلية ومنظمات المجتمع المدني على احياءه بشتى الطرق والأنشطة والبرامج التي تؤول الى تعزيز الوئام بين الأديان في عالم يتصاعد الاختلاط فيه والنزاعات الدينية والعرقية في آن.

كذلك اعتبرت الأمم المتحدة أن الحوار بين الناس المنتمين الى مختلف الأديان والتفاهم الذي ينتج عن هذا الحوار، كما التفهم، يشكلان اسسا لثقافة للسلام على المستوى الدولي كما للوئام بين اتباع مختلف الأديان في العالم.

هكذا، تشكل فعاليات هذا الأسبوع سبيلا لتعزيز الوئام بين الناس على اختلاف انتماءاتهم الدينية والمذهبية.

في هذا السياق، طلبت المنظمة الأممية من جميع الدول دعم هذا الأسبوع من اجل نشر رسالة الانسجام والوئام من خلال دور العبادة في العالم، "على أساس طوعي ووفقا للقناعات والتقاليد الدينية الخاصة بهم".

نحن في الشرق الأوسط نعتبر أنفسنا معنيين جدا بهذا المسار بحكم تعدد الأديان والمذاهب في منطقتنا، وقد شهد تاريخنا العديد من النزاعات ذات الطابع الديني التي، يعتبر بعض الباحثين، انها كانت مفتعلة من الخارج.

مهما يكن، ان التنوع، اكان دينيا ام مذهبيا ام عرقيا، يشكل ارضا خصبة للصراعات اذا لم يتحلى الشعب بالوعي الكافي ولم يجري تحصينه ثقافيا ونفسيا، وحتى قانونيا، بمعنى سن قوانين تعاقب التحريض القائم على انتماء الهوية.

لقد كتبنا في السابق، في هذه النشرة بالذات، حول نمط الحياة المشتركة في الشرق الأوسط، واعتمدنا مقولة "التناضج" بين الجماعات التي تتشكل منها الامة والتي تحيا مع بعضها البعض منذ آلاف السنين.

المشكلة انه، عند تصاعد الازمات السياسية والاقتصادية، ودخول التطفل الخارجي على الخط، ينهار السلم الأهلي وتتحول البلاد الى بركة من الدماء.

هنا ضرورة التحصين القائم أساسا على الحوار وحملات التوعية والتثقيف.

في هذا السياق، نعتبر ان الأسبوع العالمي للوئام بين الأديان يشكل ضرورة حياتية، مصيرية واستراتيجية لمنطقتنا، وللعالم اجمع، على ضوء ارتفاع موجات الهجرة الدولية والاختلاط الثقافي الذي لم يسبق له مثيل في التاريخ. ان الحراك الشعبي الدولي يشكل ضغطا وتحديا على نشر ثقافة الحوار وقبول الاختلاف، لا بل الترحيب به.

يجب ان توقن البشرية ان الصراع الديني ليس الا ضربا من ضروب الجنون، اذ يقتتل الناس على امر اعطي لهم من الخالق وليس لهم سيطرة عليه. يجب ان توقن البشرية ان الخلق الذي اعطانا الحياة والنور والهواء والماء وكافو مقومات الحياة، لا يقبل ان نقوم بما نقوم به باسمه.

السؤال الأساسي المطروح على السائرين في الصراعات الدينية هو: هل تقتتلون على الخالق الذي اعطى لكم الحياة جميعا بالتساوي؟ إذا كنتم تؤمنون به وتحبونه، فعلى ماذا تقتتلون؟

في الشرق الأوسط هناك تجارب كثيرة من محاولات الوئام بين الأديان. هناك في لبنان اللجنة الوطنية الإسلامية المسيحية للحوار، وامين عام مجلس كنائس الشرق الأوسط عضو فيها، إضافة الى العديد من هيئات الحوار، وفي مصر "بيت العيلة" الذي يعتبر نموذجا ناجحا جدا في درء النزاعات الدينية وقد اثبت فعاليته، كما ان هناك العديد من الهيئات الحوارية في العراق على أثر دخوله في نزاعات دينية، مذهبية وعرقية.

نحن، في مجلس كنائس الشرق الأوسط، نعي تماما أهمية إقامة الوئام بين الأديان، وينعكس ذلك على برامجنا جميعها، اذ هي مسكونية، ليس فقط بمعنى العلاقة بين المسيحيين، بل مع غير المسيحيين أيضا. ان البعد الحواري التفهمي موجود في كل برامجنا وانشطتنا وتحظى مؤسستنا باحترام ومحبة شديدين من قبل أبناء امتنا المسلمين الذين نقيم معهم اطيب العلاقات.

نحن ننتج حوارا نسميه حوار الحياة، ونعتبر ان العمل سوية على حل مشاكلنا الاجتماعية والقيمية وغيرها هو أفضل حوار، بدل الاكتفاء بالجلوس الى طاولات حوارية نخبوية، رغم ضرورة ذلك احيانا. حوارنا ومنحى وئامنا يصل الى الشعب، كافة شرائح الشعب، حيثما عملنا وكيفما تعاطينا مع الازمات الاجتماعية التي نمر بها.

اننا نعتقد ان إقامة الدولة المدنية، ونشر ثقافة المواطنة الكاملة الحاضنة للتنوع، هي أفضل السبل للوصول الى سلم اهلي ثابت ومستدام، وهذه لا تحصل الا عبر التربية والتعليم والتوعية والتثقيف.

الأسبوع العالمي للوئام بين الأديان هو فترة مفصلية في حياة المجتمع، وإننا ندعو الى جعله "أسبوعا سنويا" اي ان تستمر نشاطاته على مدار السنة بشكل متنقل لكي تعم الفائدة وينتشر الوعي من اجل غد افضل.

Previous
Previous

متحدون في الصلاة - عيد دخول السيّد المسيح إلى الهيكل (الكنائس الأرثوذكسيّة، السّريانيّة الأرثوذكسيّة واللّاتينيّة)

Next
Next

في مواجهة التغيّرات العالميّة