العنف ضد الأطفال والجريمة ضد الطفولة، آفات خارج السيطرة
د. ميشال أ. عبس
الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط
أُلقيت هذه الكلمة في الندوة الشهريّة الّتي عقدها مجلس كنائس الشرق الأوسط عن بُعد بعنوان "العنف ضدّ الأطفال والكرامة الإنسانيّة"، يوم الخميس 26 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2023.
الى جانب المسنين وذوي الحاجات الخاصة، يشكل الأطفال الفئة الأضعف والمعرضة لشتى أنواع التمييز وسوء المعاملة.
هم من الحلقات الأضعف في المجتمع، يمارس عنفه عليهم القريب قبل الغريب، وتتحفنا ثقافتنا الشعبية، المرضية في بعض نواحيها، بالكثير من الأمثلة التي تدل على استضعاف الأطفال من جميع من حولهم.
العصا من الجنة يقول احد الأمثلة، و منين جبت الذوق؟ من المعلق فوق – نسبة الى العصا او الكرباج، والك اللحمات والنا العضمات، يقولها الاهل لمن يسلمونه ولدهم لكي يعلمه الكار او لاستاذه في المدرسة، في إشارة الى ان هذا المعلم او الأستاذ يستطيع استعمال العنف مع هذا الطفل الذي اتعب اهله.
نحن من الجيل الذي ترعرع في نظام تربوي يسمح بالضرب والزرب والتركيع والاهانة والمهاترة وقصاصات النصوص الملونة، ظنا من هؤلاء القيمين على التربية أنذاك ان الاقتصاص، أي العنف ضد الطلاب، هو الوسيلة الأفضل لتربيتهم ودفعهم في طريق الصواب.
والمفارقة الكبرى ان وسائل التواصل الاجتماعي قد اتحفتنا مؤخرا بتربوية من احدى الدول الغربية الصناعية المتقدمة تتحسر عبر شريط عممته على زمن الضرب، زمن العصا.
هذه بالنسبة الينا نحن الذين وضعنا أهلنا في النظام التربوي ولا يمكنني الا ان اثني على حمايتهم لنا من تعسف هذا النظام آنذاك.
اما من لم يستطع أهلهم ادماجهم في النظام التربوي، او من تسربوا مدرسيا خلال سنوات الدراسة، فقد وجدناهم فتيانا يعملون عند رب عمل يتراوح بين بقال الحي او اللحام او الكهربائي او النجار او الميكانيكي، ظنا من أهلهم انه بذلك يصبح ولدهم صاحب صنعة، فيصبح تاليا مالك قلعة كما يذهب القول الشعبي.
خلال هذا "التدرج" وحده القادر القدير يعرف بأية تجارب عنفية سوف يمر هذا الطفل الذي يبدأ عمله وهو في العاشرة – او ما دون في الكثير من الأحيان.
اما اذا توغلنا اكثر في الظاهرة، العنف ضد الأطفال، فإننا سوف نلج عالم الطفولة العاملة وكل كوارثها، وهي قد بدأت مع الثورة الصناعية حيث استُخدم الأطفال في المناجم لصغر حجمهم وقدرتهم على التوغل في الاقنية الضيقة، وصولا الى الأطفال الذين تستخدمهم الشركات التي بانتقالها الى بلدانهم نسيت ما اخترعته بلدانها من حقوق انيان وحقوق طفل ومشتقاتهم. نجدهم في معامل السجاد والزجاج والمواد الكيمائية المؤذية لصحتهم ولا من يسأل ولا من يحاسب.
في الشق الأخر من الظاهرة، لا بد لنا من التوقف بسرعة امام العنف الذي يتعرض له الأطفال في البيت، من افراد اسرته، من الذين عليهم ان يحموه ويساعدونه على النمو.
ما يجري وراء الأبواب الموصدة، والذي لا يمكن معرفته بسهولة، قد يكون أسوأ بكثير من الذي نشاهده في المجتمع.
ان العنف الذي يمارس من قبل الاهل تجاه أولادهم قد لا يتخيله احد وقد لا يعرف به الا القليلون لان الاسرة تعتصم بالسترة وبضرورة الحفاظ على صورة العائلة تجاه المجتمع، خصوصا اذا ترافق الامر مع تحرش جنسي من قبل احد افراد العائلة.
اما السؤال الكبير والخطير فيتمحور حول أي مواطن تقدم هكذا ممارسات للمجتمع؟ اية ام او أي اب او أي مسؤول او أي انسان سوف ينتج بعض التعرض لهكذا عنف؟ او يسألون لماذا ينتشر الإدمان على الخمور والمخدرات؟ او يسألون لماذا ترتفع نسب العنف والجريمة في المجتمع الحديث؟ ما هو مستقبل هذا المجتمع الذي يستفيق كل يوم على كارثة تطال الطفولة؟
الطفولة في المسيحية تصنف في باب المقدس حيث قال السيد المتجسدَ: "دَعُوا ٱلْأَوْلَادَ يَأْتُونَ إِلَيَّ وَلَا تَمْنَعُوهُمْ لِأَنَّ لِمِثْلِ هَؤُلَاءِ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَاوَاتِ" مَتَّى ١٩:١٤
كذلك أخذ الأطفال بين ذراعيه ووضع يديه على رؤوسهم وباركهم.
ليعلم كل من يمارس العنف ضد طفل، اكان العنف جسديا ام لفظيا، بأنه يتطاول على وصية الخالق ويزرع في المجتمع لبنة حقد وضغينة وبأن لعنة إيذاء هذا الطفل سوف تلاحقه الى يوم الدين.
اما الذي يجري اليوم في غزة، وعلى ارض فلسطين عموما، كما جرى سابقا على ارض الشام والعراق وبعض دول افريقيا، من قتل متعمد للأطفال وبشكل جماعي، فهو عمل إبادة ولا بد من تصنيفه على انه جريمة ضد الطفولة.
بناء عليه نقترح فصل المفهومين عن بعضهم البعض، أي العنف ضد الأطفال والجريمة ضد الطفولة والعمل على بلورة المفهوم الثاني من اجل ان نضع الاحداث التي ذكرت أعلاه تحت هذا المفهوم ويصبح معيارا لتصنيف المجازر التي تطال الاطفال والحكم عليها وادانتها.
ولكن في غياب الوعي والضمير، ما هو الرادع؟ القانونّ!
ومن هو الرادع؟ هو التألف بين التشريع المجتمعي وهيئات الانماء الاجتماعي، الشريط الطبيعي للدولة في حماية المجتمع، من قاتلي الجسد وقاتلي الروح الذين قد لا تدري بهم البشر كما ورد على لسان جبران خليل جبران.