السجين والكرامة الإنسانيّة

طاولة مستديرة من تنظيم مجلس كنائس الشرق الأوسط

الأمين العام د. ميشال عبس: إذا لم يكن السجن مكانًا يستعيد فيه المرتكب ثقته بنفسه وكرامته المفقودة بسبب ما ارتكبه، فبئس المكان!

وسط الأزمات الإقتصاديّة والإجتماعيّة والسياسيّة... الّتي تستفحل في المنطقة والعالم، تُنتهك كرامة الإنسان لا سيّما الأكثر ضعفًا. وفي ظلّ كلّ هذا الواقع الأليم، تبدو قضيّة السجين في دول المنطقة وكأنّها مسألة منسيّة أو وُضعت على الهامش بسبب قضايا إنسانيّة أخرى قد تُعتبر أولويّة على جدول أعمال الحكومات. لكن ما هي تحدّيات السجين اليوم؟ ما هي الحالة النفسيّة الّتي يمرّ بها؟ كيف ينظر المجتمع والدين إلى قضيّة السجين؟ وما هي الإجراءات القانونيّة تجاه هذه المسألة؟

للإجابة والإضاءة على هذه القضيّة الإنسانيّة، عقد مجلس كنائس الشرق الأوسط، ضمن سلسلة ندواته الشهريّة، طاولة مستديرة جديدة بعنوان "السجين والكرامة الإنسانيّة"، يوم الخميس 26 كانون الثاني/ يناير 2023، بمشاركة ضيوف خبراء ومتخصّصين في مقرّ الأمانة العامة للمجلس في بيروت، أو تابعوا عن بُعد عبر تطبيق زوم.

بُثّت الندوة مباشرةً على صفحة مجلس كنائس الشرق الأوسط على فيسبوك واستُهلّت بكلمة الأمين العام للمجلس د. ميشال عبس حيث جاء فيها "التحدّي الكبير المطروح على الإنسانيّة، والذي تعاملت معه الدول المتحضّرة، يكمن في إمكانيّة تحويل فترة العقوبة إلى حقبة بنّاءة، إلّا في حالات نادرة، يكون فيها المجرم في حالة نفسيّة مرضيّة مزمنة من الصعب شفاؤه منها. اذا كانت السجون أماكن يدخل إليها محكوم بجرم خفيف أو جنحة ويخرج منه متخصّصًا في أنواع عدّة من الإجرام، فبئس التدابير. إذا لم يكن السجن مكانًا، يستعيد فيه المرتكب ثقته بنفسه وكرامته المفقودة بسبب ما ارتكبه، فبئس المكان".

أضاف "إنّ المقاربة الأولى لتأهيل من عوقب على جريمة أو جنحة تكون عبر مساعدته على استرداد كرامته مترافقًا مع استرداد ثقته بنفسه. إنّه برنامج إصلاحي له شروطه واستهدافاته ومنهجيّاته. إذًا لم تتحوّل أماكن الحجز إلى مراكز تأهيل فإنّها ستتحوّل حكمًا معاهد تدريب على الجريمة... المهنة والعمل يعطيان للإنسان قيمته في عالم الحداثة الذي نعيش فيه. لذلك نعتبر أنّ تزويد المحكوم بالتدريب المهني المناسب وتحويله إلى مهني محترف قادر على كسب رزقه بالطرق الشريفة المحترمة، هي أفضل سياسات تأهيل المساجين ووضعهم على طريق الشفاء".

وختم "المجتمع، عبر الدولة والهيئات الأهليّة، مسؤول عن حماية المجتمع عبر إعادة تأهيل هؤلاء الناس، وليس عبر معاقبتهم. المنحرفون، أصحاب الجنح والسوابق ومرتكبي الجرائم، تحدٍّ كبير على المجتمع الإنساني الذي أنتجتهم آلياته الإقتصاديّة والإجتماعيّة والسياسيّة، وهو بالتالي مسؤول عن شفائهم".

تضمّنت الطاولة المستديرة جلستين تحدّث في كل منها متخصّصون وناشطون من مختلف المجالات والأديان، إضافةً إلى فقرات نقاش وأسئلة. الجلسة الأولى كانت بعنوان " كرامة السجين، مقاربة قانونيّة، نفسيّة واجتماعيّة" بإدارة د. لور أبي خليل. تحدثت أولًا الممثّلة زينة دكّاش عن تحدّيات السجين في لبنان والكرامة الإنسانيّة عارضةً مسيرتها في إطلاق مشروع المعالجة بالدراما عبر المسرح في السجون اللّبنانيّة.

ثم أضاءت القاضية د. نضال شمس الدين على موضوع القانون والسجين والكرامة الإنسانيّة متحدّثةً عن الضمانات الّتي تحمي حقوق السجين والصّعوبات الّتي يواجهها وكذلك المعوقات الّتي تحول دون تطبيق الإلتزامات بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان. بعدها تطرّق د. نزار أبو جودة إلى مسألة السجين بين الجريمة والعقاب مقدّمًا مقاربة نفسيّة اجتماعيّة، عارضًا لمفهوم الجريمة وأسبابها وأيضًا مفهوم العقاب وإشكاليّاته...

بعد الإستراحة، بدأت الجلسة الثانية تحت عنوان " كرامة السجين من المنظور الديني" حيث كانت بإدارة د. شوقي عطيه. تمحورت هذه الجلسة حول موقف الدين من قضيّة السجين ورؤيته في التعاطي مع هذه المسألة إضافةً إلى الخدمة الدينيّة في السجون وسُبل صون كرامة السجين في ظلّ ظروف صعبة تتعرّض لها السّجون في لبنان والمنطقة.

خلال الجلسة، عرّف الأب مروانم غانم، رئيس جمعيّة نسروتو - أخويّة السجون في لبنان، على الفرق بين السجن والحبس متناولًا المعيار القانوني والدولي لممارسة الطقوس الدينيّة بحريّة داخل السجون مشدّدًا على مراعاة خصوصيّة السجون في لبنان.

من جهّته، تناول الشيخ د. عبد الرحمن الرفاعي، مدير كليّة الشريعة وأزهر عكّار في لبنان، في مداخلته مفهوم السجن ومشروعيّة السجن مؤكّدًا على أنّه لا يجب أن تطال تجربة السجن الكرامة الإنسانيّة الّتي هي بطبيعتها كرامة وهبيّة لا يجب المساس بها مميّزًا بينها وبين الكرامة الكسبيّة الّتي تتغيّر وفقًا لعمل الإنسان.

بدوره، تحدّث الشيخ د. محمد حجازي، أستاذ جامعي وممثّل المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، عن أهميّة تعزيز مفهوم الكرامة ومعاملة السجين بالمحبّة مستشهدًا بآيات قرآنيّة تناولت موضوع السجين.

ختامًا، شدّد الشيخ سامي عبد الخالق، ممثّل المجلس المذهبي لطائفة الموحّدين الدروز في الهيئة الوطنيّة العليا للسجون، على الرسالة الدينيّة النابعة من الإرادة الإلهيّة كرسالة رحمة وتسامح ومحبّة وأخوّة للإنسانيّة لذا يجب التعامل مع المسجون وفق هذه القاعدة.

Previous
Previous

بين العقاب والإصلاح...الكرامة

Next
Next

متحدون في الصلاة