بين ملكوت الرّب وجحيم البشر
د. ميشال أ. عبس
الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط
هل نلاحظ الفوضى العارمة والشرّ المُطلق الذين يسودان البشريّة اليوم؟
لقد أصبح انسان العصر الحديث مشغولًا بحياته اليوميّة واللهاث وراء المادة سدا لحاجات، منها وهميّة أو مصطنعة، يخترعها له المجتمع الصناعي، لدرجة أنّه لم يعد قادرًا أن يرى وضع الجنس البشري اليوم.
الحروب والأوبئة والمشاكل الإجتماعيّة والأوضاع الإقتصاديّة المترديّة وسوء توزيع الثروة والغذاء والدواء على الصعيد العالمي وغيرها من مصائب المجتمع الحديث اجتاحت المعمورة وأوصلت الجنس البشري إلى ما حذّره منه السيّد الذي تجسّد خلاصًا لنا.
يقابل ذلك تطور في الخدمات الإنسانيّة والطبيّة والإجتماعيّة، حتى لتكاد تحسب أن على وجه البسيطة جنسين من البشر.
إنّه السباق بين الخير والشرّ الذي بدأ مع ظهور الإنسان والذي يتخّذ أشكالًا متجدّدة.
هو نفسه المخلوق الذي يدمّر البيوت ويشرّد الناس ويقتلهم وأحيانًا يبيدهم، هو نفسه الذي يأويهم ويضمّد جراحهم ويعطيهم الدفء.
ممّ أنت مكوّن أيّها المخلوق البشري؟
أهي الطينة نفسها صنع منها الأشرار والأبرار؟
أهو نفسه العقل البشري الذي اخترع أدوات الفتك يجترح وسائل الرفق بالإنسان وحمايته؟
أيّها المخلوق المتناقض، الذي يحتضن الخير والشرّ في عقل واحد وفي نفس واحدة، كيف تتحوّل من وضع إلى آخر؟
أراك تذبح ثم تضمّد الجراح. أراك تشرّد ثم تأوي. أراك في تناقضاتك مخلوق غير سوي، سريع التقلّب بين الخير والشرّ.
لقد حذّرنا السيّد المتجسّد الذي لا فناء لملكه ولا زوال لكلامه في إنجيل متى أن "وَسَوْفَ تَسْمَعُونَ بِحُرُوبٍ وَأَخْبَارِ حُرُوبٍ. اُنْظُرُوا، لاَ تَرْتَاعُوا. لأَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ تَكُونَ هذِهِ كُلُّهَا، وَلكِنْ لَيْسَ الْمُنْتَهَى بَعْدُ." (مت 24: 6).
كما أورد لنا إنجيل مرقص "لأَنَّهُ تَقُومُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ، وَمَمْلَكَةٌ عَلَى مَمْلَكَةٍ، وَتَكُونُ زَلاَزِلُ فِي أَمَاكِنَ، وَتَكُونُ مَجَاعَاتٌ وَاضْطِرَابَاتٌ. هذِهِ مُبْتَدَأُ الأَوْجَاعِ." (مر 13: 8).
نعم أيّتها الإنسانيّة المتناقضة، غير المنسجمة مع ذاتها، هذا ليس المنتهى؛ هذا مبتدأ الأوجاع.
الخيار لك أيّتها الإنسانيّة العاجزة أن تختاري بين ملكوت الرب وجحيم البشر.