الجمعية العامة وما يليها
د. ميشال أ. عبس
الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط
تكمن أهميّة الجمعية العامة لمجلس كنائس الشرق الأوسط التي عقدت من 16 إلى 20 أيار/مايو 2022 في الخطوط التي رسمتها لمستقبل عمل مجلس كنائس الشرق الأوسط.
تأتي هذه الجمعية بعد تعذّر القيادات الروحيّة المسيحيّة الاجتماع في مؤتمر عام لمدة ست سنوات تقريبًا بسبب الجائحة التي فصلت البشر عن بعضهم وأرست اسس تعامل جديدة في شتى المجالات.
التحضيرات التنظيميّة لهذه الجمعية كانت بادية للعيان بفعل التنظيم الدقيق ونوعية وطريقة الخدمات التي قدمت للمشاركين، وهذا كان موضوع ثناء من الجميع.
أمّا ما أود الكتابة عنه في هذه المقالة فهي الأبعاد البرامجية والأولويّات والتوجهات المستقبليّة.
كما يعلم جميع الذين تابعوا أعمال الجمعية فقد كانت هناك خمس مجموعات عمل: الحضور المسيحي والعلاقات المسكونيّة؛ الدياكونيا والخدمة الإجتماعيّة؛ التواصل والمناصرة؛ الحوار والتماسك الإجتماعي - إعادة تأهيل الرأسمال الإجتماعي؛ التنمية المؤسّسيّة والإستدامة.
لقد جرى التحضير لمجموعات العمل هذه بواسطة إجتماعات تفاوتت من ناحية الكثافة بين مجموعة وأخرى، كما جرت بلورة أوراق العمل بشكل يسمح بأن تكون المناقشات سريعة وفعالة بسبب ضيق الوقت واحتمال تقصير مدّة الجمعية لبضع ساعات وذلك من أجل أن يستطيع بعض قياديي الكنائس العودة إلى مؤسّساتهم التي تشهد ضغط عمل كبير نظرًا للظروف التي تعيشها بعض بلدان المنطقة. وهكذا كان.
من وجهة نظرنا، ليس النقاش خلال الجمعية العامة ولا التوصيات العامة هي نهاية المطاف في بلورة خطط عملنا وترتيب أولوياتنا في منطقة تعجّ بالأحداث والتقلّبات السياسيّة والإقتصاديّة بوتيرة عالية. بلّ هي مرحلة تؤسّس للحقبة التي ستليها. في نفس السياق بلورنا في السنة الماضية ما سميناه "الإطار الاستراتيجي للسنوات الأربع" ولم نسمّه الخطة الإستراتيجيّة. إنّه إطار يمكننا التحرّك ضمنه ويمكنه استيعاب حركة المجتمع والتحوّلات في الحاجات وسلَّم الأولويات.
من جهة أخرى، نعتبر أنّ مجموعات العمل التي اجتمعت وناقشت أوراق العمل المقدمة من فريق المجلس والخبراء، ليست آنية، بل سوف تدعى إلى أن تتحوّل إلى مجموعات تفكير – ثينك تانك – للمواضيع الخمسة التي نوقشت، كلّ بحسب اختصاصه وخياره. بالنسبة إلينا هذا العمل هو مسار مستمرّ يعمل بحسب منطق المنظومات – أو السيستمس – أي يكون في تفاعل مستمر مع محيطه ويطمح إلى رصد المتغيّرات واستباقها. من هنا كانت ضرورة أن نشبك
دوائر المجلس مع مجموعات من الباحثين والمثقفين وقد أشرت إلى ذلك في كلمتي الترحيبيّة حيث ذكرت أنّ الإيمان والعلم ليسا على طرفيّ نقيض.
لقد شكّل إنشاء مجموعات التفكير جزءًا أساسيًّا من منهجيّة عمل المجلس ولكن الجائحة والأزمات التي مرّ بها لبنان – حيث المقرّ الرئيسي للمجلس – حالا دون ذلك. أمّا الآن فلقد وُضع العمل على الطريق المرسوم له وسوف تزخر المرحلة القادمة بالندوات وحلقات النقاش والمؤتمرات ذات الطابع المحلي والإقليمي والدولي.
يشكّل المجلس، في ما يكتنز من طاقات كنسيّة وعلاقات مع المثقفين الكنسيّين ومن أبناء المجتمع المدني، موئلا فريدًا للفكر الإيماني والإنساني والإجتماعي على حدٍّ سواء، ودوائره كفيلة باحتضان هذه الديناميّات الفكريّة، كل دائرة بحسب اختصاصها.
لقد حرصت القيادات الكنسيّة على مواكبة هذا المنحى عبر اشتراكها جميعًا بكلّ مجموعات العمل، كما أنّ التوصيات قد اُقِّرت بشكل كامل، ممّا يؤشّر إلى دعم كنسي كامل لما يقوم به المجلس.
إضافة إلى ذلك، لقد شكّلت المناقشات والملاحظات عناصر تصويب وتوضيح لبعض الأمور، أمّا التوجّهات الأساسيّة فليس هناك أية تباينات حولها إذ أنّ فرق عملنا الميدانيّة هي على تواصل مستمرّ مع مختلف القواعد الكنسيّة والفئات الإجتماعيّة.
نحن في المجلس نعتمد قاعدة التشاور في كل ما نقوم به، لذلك تعبّر برامجنا عن نبض الكنيسة والمجتمع.
أمّا البيان الختامي، فقد أتى يؤطِّر ويتوِّج هذا التوجّه لدى القيادات الكنسيّة في الشرق الأوسط. لقد وضعت فقراته معالم التوجّهات المستقبليّة للمجلس وأعطت فريق العمل ولجان الكنائس الذين يشكّلون المجلس، من اللجنة التنفيذيّة إلى لجان الدوائر الإستشاريّة، هامش تحرّك واسع على كافة الصعد تضميدًا لجراح مجتمعاتنا التي ما زالت تنزف دمًا وناسًا ومواردًا.
بعد إختتام أعمال الجمعية العامة، عدنا إلى عملنا اليومي، نستجمع الأفكار الغزيرة التي أطلقت ونحضر لاستثمارها في متابعة رسالة ومسيرة نعرف جميعًا ضرورتها في هذا المكان من العالم.
وغداً لناظره قريب.