لجنة تنفيذية وهواجس الحقبة
د. ميشال أ. عبس
الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط
أبعد من البيان الختامي ومن محضر الإجتماع، لا بدّ لنا من التوقف أمام "تجربة" إجتماع اللجنة التنفيذية الذي عقد خلال اليومين المنصرمين في دير هانئ في جبل لبنان.
لا شكّ أنّه ليس أجمل من لقاء الإخوة بعد طول فراق خصوصًا عندما يكون باسم الآب والإبن والروح القدس وحول مواضيع وهموم مشتركة تعني منطقة الشرق الأوسط بكلّ مكوّناتها وعلى مختلف إنتماءاتهم.
لقد دأبنا على عقد الإجتماعات عن بعد، أونلاين كما درجت التسمية حتى باللغة العربيّة وذلك خلال سنوات الجائحة العجاف التي ضربت الإنسانيّة في صميمها وقد وجدنا آنذاك أنّ هذه الإجتماعات عن بُعد هي الحلّ الناجع عندما كانت الجائحة تهدّد كلّ حياة بشريّة على وجه الأرض. لقد اعتمدنا هذا الحلّ الأونلاين وتدربنا على استعمالاته وعلى تطويعه لحاجاتنا وقد كان التعبير الأمثل على منطق أن التكنولوجيا التي قد تؤدي إلى أذى البشريّة في بعض تمظهرها هي التي تزوّد البشرية بالوسائل التي تساعدها على إنقاذ نفسها. ولكن، مع عودة الحياة إلى طبيعتها، عاد الناس يتذوّقون ويوقنون أهميّة اللقاءات وجهًا لوجه والفارق بين هذا التفاعل الذي يجري بين شخصين في مواجهة مباشرة أو بين شاشتي حاسوب أو هاتف خلوي.
لقد انعكس هذا الواقع الجديد على التفاعل بين الأطراف المشتركة في الإجتماع، أكانوا أعضاء في اللجنة التنفيذيّة أو من فريق عمل الأمانة العامة، وأصبحت العلاقات ضمن هذا الفريق المصغّر المنبثق من الجمعيّة العامة والذي يعمل باسمها وبتفويض منها.
هنا نقطة البداية في التحليل وفي المتغيّر ضمن ثوابت مجلس كنائس الشرق الاوسط.
لقد اعتبر الحاضرون أنّهم يمثلون الجمعية العامة ولذلك عليهم واجب إبلاغها عن سير الأعمال في المجلس خلال الفترة التي تفصل جمعيتين عامتين. بناء عليه، سوف يقوم فريق الأمانة العامة بتبليغ سائر أعضاء الجمعية العامة بتطوّر العمل في المجلس عبر تزويدها بالتقارير وكافة المطبوعات التي تصدر عن المجلس، تمامًا كما يجري تزويد اللجنة التنفيذية بذلك.
إضافة إلى ذلك، أقرّت اللجنة التنفيذية مقاربة جديدة في تعيين لجان الدوائر والبرامج كما هو منصوص عنه في النظامين الأساسي والداخلي للمجلس. كان المطلب من قبل فريق العمل هو التوازن بين الحوكمة والإدارة، بين اتخاذ القرار والتنفيذ وتوخيًا لذلك، طولبت اللجنة التنفيذية أن توزّع أعضائها على مختلف دوائر وبرامج المجلس. أمّا الذي حصل فهو أنّ اللجنة التنفيذية قد ذهبت أبعد من ذلك وأقرّت أن يكون في كلّ لجنة من لجان الدوائر والبرامج عضو واحد فقط من اللجنة التنفيذية على أن يجري تعيين باقي الأعضاء من خبراء الكنائس واختصاصييها، وليس غريبًا على المجلس المعروف بانفتاحه ولاتمييزه وموضوعيته تعيين خبراء من غير المسيحيين وقد أظهر هؤلاء تفانيًا عاليًا عبر تاريخ تعيين من غير المسيحيين في المجلس.
هنا سجّلت اللجنة التنفيذية نقطتين إيجابيتين هامتين جدًا في سياق عملنا كفريق للأمانة العامة:
النقطة الأولى أنّها أعادت العمل باللّجان الذي علّق لفترة طويلة لأسباب إدارية وماليّة، ممّا يعني أنّ منهجيّة اتخاذ القرارات قد عادت إلى الطريقة الفضلى.
أمّا النقطة الثانية فتكمن في أنّ اللجنة التنفيذية قد رفعت منسوب لامركزيّة القرارات إذ لم تحصرها بنفسها بل وزّعتها على خبراء وذوي اختصاص معتبرة أنّ الدراية هي بأهميّة الملكيّة، وهذا موقف متقدّم جدًا حسب علم الإدارة الحديث وينمّ عن هاجس رفع الفعالية لدى الهيئات القياديّة في المجلس.
أمّا بالنسبة إلى الفريق العامل في مختلف دوائر المجلس وفروعه، فقد شدّدت اللجنة، عندما طرحت مسألة التعيينات، على انتفاء تام لمنطق محاصصة الوظائف على الكنائس والإعتماد حصرًا على معيار الكفاءة في التعيينات التي تحصل بواسطة الإعلان عن الشواغر عبر الأقنية الكنسيّة كما عبر الإعلان على المواقع الإعلانيّة العامة في بلداننا.
إضافة إلى ذلك، لفتت اللّجنة التنفيذيّة إلى ضرورة تطوير بعض الفقرات من النظام الداخلي حيث أنّ هناك بعد المراحل الإدارية التنظيميّة غير واضحة، وهنا تطابق رأي اللجنة مع ملاحظات الزملاء الذين يمارسون تعليمات هذا النظام الداخلي بشكل يومي ويرون أين تكمن مواقع الضعف في وضوح النصوص التنظيمية وهذا ما اضطرنا الى اتخاذ تدابير مشددة خلال الجمعية العامة حيث ان النصوص المتوفرة لا تغطي كل مراحل الجمعيات العامة. النقص في الوضوح نجده أيضًا في عدّة مفاصل من بنية المجلس الإدارية وهذا يحتاج إلى "فاين تيونيغ" من أجل أداء أكثر حيويّة ومرونة ووضوحًا.
هذه حال كلّ أنظمة المؤسّسات، يمرّ عليها الزمن وتجد نفسها أمام حاجات جديدة في الحوكمة والإدارة فتعمد إلى تطوير نفسها عبر بلورة أنّ تعديل بعض من المسارات التنظيميّة.
"أنتم بصدد بناء ثقافة جديدة للمؤسّسة" قالها لي أحد المطارنة الحاضرين. فقلت له: صدقت.
لقد عانت هذه المؤسّسة الأمرّين في تاريخها غير البعيد، وتفكّكت وتخلّعت وبعثت من رمادها من جديد لأن الكنيسة في منطقتنا توقن كم هي مهمّة. هي الموقع الوحيد الذي يجمع كنيسة المسيح حيث ولد وحيث انتشرت رسالته. دورها دائم ويتجدّد نظرًا لحيويّة فرق عملها وقياداتها. هي ليست الأقوى ماديًّا ولكنّها الأقوى بما تحمل من ذاكرة ومن رمزيّة ومن رؤية للدور المستقبلي لها.
اللجنة التنفيذية المجتمعة خلال اليومين الماضيين أقرّت عقد جمعية عامة إستثنائيّة بعد عامين، أيّ في مناسبة بلوغ المجلس عمره الخمسين وأصرّت، وفريق العمل يفكّر بنفس المنطق، أن لا تكون مقاربة يوبيل الخمسين إحتفاليّة بل أن تكون محطّة تقييم وتحليل وأخذ عبر وتحضر للتوثّب نحو الخمسين السنة التالية. وهكذا سيكون.
قبل بلوغ المؤسّسة عمر الخمسين، تقوم الهيئات التي تتكون منها بتفكير مشترك لتجديد الدور في شرق أوسط جديد، مستلهمين رسالة السيّد الخلاصيّة وقيمه السلوكيّة والفعل التي فعلته هذه الرسالة على مستوى الجنس البشري.