قدّاس وجنّاز لمناسبة مرور أربعين يومًا على وفاة غبريال جرجي حبيب

د. ميشال عبس: استطاع كابي حبيب ان يؤمن لمجلس كنائس الشرق الأوسط مكانة دولية مرموقة وأصبح، كأمين عام، علامة فارقة في منابر العالم المسكوني

لمناسبة مرور أربعين يومًّا على وفاة المأسوف عليه المرحوم غبريال جرجي حبيب، الأمين العام السابق لمجلس كنائس الشرق الأوسط، أُقيم قدّاس وجنّاز لراحة نفسه الأحد 23 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2022، في كاتدرائيّة مار جاورجيوس للروم الأرثوذكس، في وسط بيروت، بمشاركة عائلة الفقيد وأنسباؤها كما عائلة مجلس كنائس الشرق الأوسط ممثّلًا بالأمين العام د. ميشال عبس.

في ختام الجنّاز، ألقى د. عبس كلمة بعنوان " كابي حبيب، مسيرة ايمان ونضال"، استذكر فيها حبيب كأمين عام وزميل وصديق، مشيدًا بمسيرته الكنسيّة والمهنيّة وتفانيه في خدمة الحركة المسكونيّة وتطوّرها.

تجدون في التالي نصّ الكلمة كاملًا.

 

كابي حبيب، مسيرة ايمان ونضال

 

د. ميشال أ. عبس

الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط

 

من يتوقف امام مسيرة كابي حبيب الكنسية والمهنية، وهما متلازمتان عنده، يرى نموذج الانسان الذي قرر ان يدخل في سباق مع الاحداث والزمن.

مسيرته، التي استمرت لعقود، بين حركة الشبيبة الارثوذكسية والسندسموس واتحاد الطلبة المسيحي العالمي وغيرها من المؤسسات، توّجها باضطلاعه بمسؤولية الأمانة العامة لمجلس كنائس الشرق الأوسط، حيث تَعَرّفتُ اليه وعملنا معا لسنوات تسع تقريبا.

كان كابي نموذج الانسان الرسولي، الذي اخذ على عاتقه انجاز مهمة نذر نفسه لأجلها وبذل في سبيلها الغالي والنفيس.

اراه في مكتبه من الفجر الى النجر، عاملا لساعات طويلة، بلا كلل ولا ملل، منتقلا من أمر الى أخر، محاولا الاستجابة لكل من يقصده طالبا خدمة او معلومة او نصيحة.

كان كابي صاحب رؤية حددت مسار حياته الايمانية والعائلية والمهنية، وكانت هذه الرؤية تستحوذ على كل تركيزه واهتمامه ونشاطه، مستمدا قوة من السيد الذي تجسد من اجلنا ومن صلبه وقيامته.

لقد كان كابي مسيحيا عميق الايمان، يمارس مسيحيته في حياته اليومية، وذروتها كان يوم غفر للذين خطفوا والده واغتالوه. لقد كان الغفران موقفه الوحيد والصريح والذي لا لبس ولا تردد فيه... الغفران لهؤلاء أيا كانوا.

ايمان كابي المسيحي العميق لم يجعل منه انسانا مغلقا او متعصبا، لا بل العكس، كان شديد الانفتاح على الجميع مما جعل منه أحد مؤسسي اللجنة الوطنية الإسلامية المسيحية للحوار التي لعبت دورا مهما في صيانة السلم الأهلي في لبنان.

لبنانية كابي أيضا لم تجعل منه انسانا منعزلا عن القضايا العربية والإنسانية، اذ ان دفاعه عن القضية الفلسطينية كلبناني، كان نموذجا نادرا، خصوصا خلال الحرب اللبنانية حيث جرت ابلسة الفلسطيني ورفضه.

منحى كابي الايماني لم يجعل منه انسانا منسلخا عن قضايا العالم، اذ قد نمت الخدمات الإنسانية ومشاريع التنمية لمجلس كنائس الشرق الاوسط في عهده نموا لا مثيل له.

لقد اثبت كابي حبيب تمتعه ليس فقط بإيمان مسيحي راسخ لا تزعزعه كل التجارب، بل باحتراف ودراية مهنية عاليين.

لقد كان قادرا ان يتعاطى بالعلاقات السياسية والعلاقات مع المؤسسات الدولية وحقوق الانسان والإدارة والمطبوعات كما بالإغاثة والتنمية وكأنه متخصص في كل حقل منها وذلك لاتساع ثقافته وقدرته السريعة على الاستيعاب والانفتاح على كل جديد.

خلال عملنا المشترك ايقنت كم لهذا الانسان من قدرة على التجدد والابتكار اذ كان يجترح بشكل مستمر أفكارا جديدة وتوجهات جديدة ومشاريع جديدة. كانت تساعده على ذلك شجاعته اذ لم يتراجع يوما امام امر ما، إذا رأى فيه نفعا للإنسان والكنيسة. الاقدام كانت صفة ملازمة لشخصيته. في كل ما كان يقوم به كان يمشي واثق الخطى من دون ان يقلل من أهمية وخطورة التحديات التي عليه ان يواجهها والصعوبات، لا بل العقبات، التي عليه ان يتخطاها.

اما على الصعيد الفكري، فقد كان كابي عميق التفكير وذو قدرة تحليلية متقدمة وذو قدرة على الحوصلة، مزودين بذكاء سريع ومرونة يسمحون له ان يتعامل مع الأوضاع المستجدة مهما كانت واينما حصلت، اكان على صعيد المجتمع عامة ام خلال اجتماع عمل.

ان السنوات التسع التي عملنا خلالها سوية كانت مزروعة بالمشاكل وملبدة بالغيوم بسبب الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية في لبنان آنذاك وكان حجم عملياتنا في دائرة الإغاثة والتنمية في لبنان كبيرا جدا مما انعكس ذلك على علاقتنا المهنية وزادها تماسكا رغم بعض الصعوبات، ولكننا كنا دوما نصل الى حلول لما فيه خير سير العمل. لقد كان الاحترام والثقة متبادلين مما أبقى الود حتى بعد ان تركت المجلس وعدت الى التدريس في الجامعة حيث كان يزورني كلما اتى الى لبنان وفي احدى المرات استأذنني كي يزَكّيني مكانه في اللجنة الوطنية الإسلامية المسيحية للحوار. وهكذا صار.

ان التفاني الذي اظهره كابي خلال السبعة عشر عاما من قيادته للمجلس كان نموذجيا، وقد استطاع ان يؤمن للمجلس مكانة دولية مرموقة وأصبح هو شخصياً، كأمين عام، علامة فارقة في منابر العالم المسكوني وكان لموقفه وكلمته وقعهم المميز الذي لا جدل حوله.

منذ بداية خدمتي في المجلس منذ عامين، أرسل لي كابي تقارير عن عمله في المجلس، وعندما استأذنته لنشرها قال لي انه ليس من الضروري وان "إفعل بها ما تشاء". لم انشرها كما أتت، وسوف أنسق مع اسرته لاحقا حول كيفية التصرف بهذه الوثيقة. كنت أتمنى مناقشة الامر معه لو لبى دعوتي لحضور الجمعية العامية الثانية عشرة للمجلس التي عقدناها في أيار الماضي في مصر ولكن المرض حال دون ذلك. لقد استعاض عن ذلك بشريط مصور ترك انطباعا جميلا لدى الحضور ممن عرفوه وأحبوه.

 اليوم، وبعد ان غادرنا كابي بالجسد، ونحن نصلي له الأربعين، أستطيع ان أقول له: لقد بررت بإيمانك واستحقيت الوزنات. نم قرير العين فإن العمل المسكوني في ارض المسيح ما زال يسير الى الامام رغم المطبات والعوائق والصعوبات وان كنيسة المسيح، الواحدة الاحدة باقية تشهد على الخلاص.

المسيح قام!

Previous
Previous

معًا نتكاتف ونصلّي

Next
Next

معًا نتكاتف ونصلّي