إفتتاح "أسبوع الصّلاة من أجل وحدة المسيحيّين" في لبنان
إفتُتح "أسبوع الصّلاة من أجل وحدة المسيحيّين" 2022 في لبنان بدعوة من غبطة البطريرك رافائيل بدروس الحادي والعشرون ميناسيان بطريرك كيليكيا للأرمن الكاثوليك في كاتدرائيّة القدّيسَين الياس وغريغوريوس للأرمن الكاثوليك في وسط بيروت.
شارك في الصّلاة من أجل الوحدة غبطة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة، غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الأنطاكي وغبطة البطريرك يوسف العبسيّ بطريرك الرّوم الملكيّين الكاثوليك، وجمع من المطارنة والكهنة من مختلف العائلات الكنسيّة.
في ما يلي نصّ الكلمة الّتي ألقاها في المناسبة صاحب الغبطة البطريرك ميناسيان:
أصحاب الغبطة والنيافة
سعادة السفير الباباوي في لبنان،
السادة الأساقفة
اخواتي الكهنة، خواتي الراهبات
اخوتي بالمسيح
أشكركم على هذه المناسبة القيمة التي منحتموني اياها لألقي كلمتي حول الصلاة من أجل وحدة الكنائس التي تمزّقت عبر العصور الغابرة، ولا تزال تتألم بسببها حتى يومنا هذا.
لقد فكرت مليًّا فتواردت أمامي هذه الصورة، صورة سرّ الاعتراف أو سرّ التوبة الذي نمارسه في حياتنا اليومية. فعندما نلجأ للإعتراف نقول: اغفر لي يا أبتي لأنّي أخطأت بالفكر والقول والفعل والاهمال. هكذا اليوم نستطيع القول أمام ربنا بأنّنا فعلاً أخطأنا بالفكر والقول والفعل والاهمال في وحدتنا الكنسية. لقد أخطأنا وعلينا أن نندم ونتحاشى الطرق التي تؤدي بنا إلى الخطيئة لأن الندامة ليست بالقول فقط بل بالفعل أيضًا.
لقد وقع الاختيارُ عليّ في هذه المناسبة المجيدة للتكلّم عن وحدة الكنائس. إنّها مناسبة قيمة وجوهرية، لكنّها تحمل في أعماقها جروحاً بليغة وأحزاناً مؤلمة سببتها القرون الماضية ولا تزال تنزفُ فينا ولا نرى أي معالجة تُضمدها لتُعيد لنا الوحدة والوئام.
لقد تبنينا الصلاة من أجل هذه الوحدة والصلاةُ سلاحٌ لا يُقهر.
إنّ نوايانا وأقوالنا لا تتلائم مع أفعالِنا. إنّنا نريد الوحدة كما يريدها الله خالقنا الذي تجسد وولِد من مريم العذراء في مذودٍ متواضعٍ وفقيرٍ. لقد وُلِدَ وتحمل أعباء الحياة مثلَنا، تحمل الهجرة وأعبائها، تحمّل الصليب والموت عليه، من أجل خلاصنا.
ولكنّنا لم نفهم حتى يومنا هذا المعنى الحقيقي لهذه التجربة والحرمان التي تحمّلها يسوع من أجل خلاصنا.
لقد تفرقنا وتشتتنا على الأرض، ووقعنا في ضوضاء الأنانية الفردية والجماعية ونسينا فادينا.
لقد حللنا وشرحنا سر الفداء بحسب ارداتنا ومفهومنا الشخصي، فنسينا وتناسينا الهدف منه ألا وهو الخلاص.
لقد عملنا بشدّة وعناد على الوحدة، ولكنّ بهدف جلب الآخرين نحو مبادئنا الطائفية، مثلما فعلوا جنود الرومان تحت الصليب، بتعاركهم على ثوب المسيح.
هكذا نحن أيضًا، تخاصمنا على ثوب المسيح.
اخوتي الأعزاء،
هذا التفكير هو تفكيرٌ أناني محط. فالمسيح لم يولد ويصلب لفئة ما، بل لجميع الأمم لخلاص البشرية بأكملها. هكذا نقرأ في رسالة القديس بولس الأولى الى طيموتاوس: "فانه يريد أن يخلص جميع الناس ويبلغوا الى معرفة الحق، لان الله واحد، والوسيط بين الله والناس واحد، وهو انسان، أي المسيح يسوع الذي جاد بنفسه فدى لجميع الناس" طيم 2: 4
فلذا اليوم علينا أن نفكر بواقعية تامة. علينا اليوم أن نخرج من هذه القعقعة التي في قلوبنا، ونأخذ نور مغارةَ بيت لحم، حيثُ وُلد المخلص ونشر نور الخلاص مبشّرًا ابتداءً من الرعاة حتى المجوس وحتى لنا نحن المعمدون والمثبتون بانتمائنا للمسيح المخلص، المسيح المولود في كل يوم وفي كل كنيسة في سرّ الأفخارستية.
روح الافخارستية هو ذاته في جميع الطقوس والكنائس. فأين الخلاف؟
الإنجيل يقول " لقد جاء الى بيته، فما قبله أهلُ بيته". فهذا هو الخلاف الحقيقي الذي علينا أن نعترف به، متحملينَ مسؤولية هذا الواقع الأليم.
فبعد كل هذه التحاليل، أعود إلى سلاح الصلاة، الصلاة التي تُتلى معًا وتُكمَّلَ بالأفعال. الصلاة التي تقودنا للقول لبعضنا البعض. لا خلاف في سرّ العماد، لا خلاف في سرّ الافخارستية، لا خلاف بالصلاة معًا في جميع الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية وجميع سائر الكنائس.
أنا مع التراث، ولكل كنيسة تراثها الخاص، ولكن الجميعَ مع بعضهم البعض يؤلفون سنفونية متلائمة جميلة تمجد الخالق.
الموسيقيون كُثر، ونحن نستمع لمعزوفاتهم ونتمتع باركستراتهم السامية. فلِما لا نؤلف نحن هذه السنفونية المركبة من عدة تراثات غنية ونستمتع بها سوية مع ابن الله المخلص؟
اعلم أنّ كلمتي اليوم ستبقى فارغة، إن لم تجد أصداء إيجابية فينا لبدء حياة جديدة معززة بالمحبة والتضامن، مُبعدين عنا جميع الأسباب والهواجس التي تفرقنا عن بعضنا البعض، وجميعنا سوية عن مخلصنا، الذي أفدى حياته من أجلنا، ولكنه بقي ولا يزال باقيًا في سرّ الافخارستية.
فالكاثوليكي يرفض التناول عند الأرثوذكس والأرثوذكسي لدى الكاثوليك،
فهل مسيح الكاثوليكي غيرمسيح الارثوذكسي، أو سرّ العماد غيره عند الآخرين؟
نحن نعرف كل المعرفة أن جميع الأسرار في الكنيسة أُسِست من المسيح مباشرة، فأين الخلاف؟
الخلاف هو بشري متمترمس بالأنانية والطائفية، بعيدًا عن كل مبداءٍ روحي ومسيحي؟
اخوتي الأحباء، لستُ قاسياً ولا متحملاً في هذه التعابير وإنّما مليئًا بالمحبة والأخوة وباحثًا عن طريق يجمعنا بدون شروط وقيود. انني متسولٌ أبحث عن لقمة عيشٍ روحية تدبّ في أعماق عروقي نور المسيح المخلص.
أختم كلمتي هذه بالصلاة التي أتمناها لنا جميعاً، صلاة محبةٍ نقيةٍ يستمتع بها يسوع مخلصنا ويرى فيها نوايانا الصافية فنقول:
ربّي وإلهي إنّني نادم من كل قلبي على خطيئة الانشقاق الغير إرادية، والتي بسبب الهموم الدنيوية وقعتُ فيها.
فإليك لجوئي ورجائي، إليك أشدو ومنك أرجو أن تلبسني ثوب الخلاص وتنيرَ طريقي إلى الوحدة المنشودة، إلى الإعتراف بكنيسة واحدة جامعة رسولية، ورعية واحدة، ترعاها أنت بنعمك الغزيرة، أنت هوالنورُ والحقُ، وأنت هو الطريقُ والسلامُ، ومنك وإليك عائدون، فارحمني يا رب بعظيم رحمتك وخلّصني من مآثمي. آمين.