الوَحدَة مِنْ أجْلِ الصَّلاةِ المَسيحيَّة

قبيل أيّام من إنطلاق "أسبوع الصّلاة من أجل وحدة المسيحيّين" 2022 الّذي نحتفل به بين 18 و25 كانون الثّاني/ يناير من كلّ سنة، ومع مواصلة التحضيرات لهذه المحطّة المسيحيّة المنتظرة سنويًّا، ننشر كلمة مدير دائرة الشّؤون اللّاهوتيّة والعلاقات المسكونيّة في مجلس كنائس الشرق الأوسط الأب أنطوان الأحمر الّتي عرض فيها لـ"أسبوع الصّلاة من أجل وحدة المسيحيّين" في كتيّب سنة 2022 تحت عنوان "الوَحدَة مِنْ أجْلِ الصَّلاةِ المَسيحيَّة".

 

الأب أنطوان الأحمر

مدير دائرة الشّؤون اللّاهوتيّة والعلاقات المسكونيّة في مجلس كنائس الشرق الأوسط

 

تَخْصيصُ أسبوعٍ للصَّلاة من أجلِ الوَحدة المسيحيَّة قد يوحي أنَّ تلاميذَ المسيح يلتمِسونَ الوحدةَ في هٰذه الفترة الزمنية القصيرة وحَسْب. والحال أنَّهم يَضَعونَ نُصْبَ أعيُنِهم مسألة الوَحدة في صَلاتِهم اليومية طَوال السنة، انطلاقًا مِن إيمانِهم المُشترك "بِكنيسةٍ واحِدة، مقدَّسة، جامعة، رسوليَّة". ما يُميِّزُ الأيَّامَ الثَّمانية هٰذه هو أنَّ المسيحيين المُنتَمين إلى مختلف الكنائس والجماعات يُصَلّون فيها معًا، مُتأمِّلينَ بموضوعٍ واحِد، مُتَّبِعين خِدمَةً واحدة، ومُجتَمِعين مَحلِّيًا في مكانٍ واحِد. بذٰلك تبرُز الوحدةُ في أسمى مظاهرِها وتجعلُ صلاتَنا مسيحيةً حقًّا. هٰذا الأسبوع، تَنقلِبُ المَقولةُ "الصَّلاةُ مِن أجل الوَحدة" إلى أخرى مُكمِّلة لها، "الوَحدةُ مِن أجل الصَّلاة".

تذكِّرُنا الأُولى أنَّ الوَحدةَ هي قَبْل كلِّ شيء عَطيَّةٌ إلٰهيَّة، نلتمِسُها بالصَّلاة لكي تتحقَّقَ وتكتملَ حسب إرادةِ الله. الرَّبُّ يسوع نفسُه صلَّى لكي يكونَ تلاميذُه بأَجْمَعِهم واحدًا، على صورةِ الوحدَةِ التي تَجمعُه بالله الآب. ولٰكنْ هَلْ يمكنُنا أنْ نُصلِّيَ حقًّا إنْ لَمْ نَكُن واحدًا؟ ألَمْ يوصِ المعلِّمُ الإلٰهيّ بالغفرانِ قبل القيامِ للصَّلاة (مر ١١: ٢٥)، وفَرَضَ واجبَ المصالحةِ الأخويَّة قبل تقدمَة القُربان إلى المذبح (مت ٥: ٢٣-٢٤)؟

إضافةً إلى تعاليمِ الرَّبِّ المتكرِّرة في هٰذا الشأن، ومع الإيمان بِوَحدةِ الكنيسة القائمة في تصميمِ اللّٰه، لَنا في رواية المجوس، موضوعِ صلاتِنا المُشتَرَكة لهٰذه السنة، جوابًا عمليًّا على تلك الأسئلة. صَحيحٌ أنَّ النُّورَ السَّماويّ هو الذي قادَ المجوسَ إلى الطِّفلِ الإلٰهي لِيؤدُّوا له السّجود. لٰكنَّ الصَّحيحَ أيضًا أنَّ هٰؤلاء الفَلَكيِّين تمكَّنوا مِنْ رؤيةِ النجمِ الحقيقي لأنّهم كانوا معًا، وإلّا لَكانَ كلُّ واحدٍ منهُم عَايَنَ نجمَهُ الخاصّ وتَبِعَه. كذٰلك سَاروا الطّريقَ معًا حتّى بلَغوا المكانَ المَنشود، وإلّا لَما استطاع كلٌّ بمفرده تحمّلَ مشقَّاتِ السَّفَر وتخطِّي العقبات التي نَصَبَها المتسلِّطون في ذٰاك الزَّمان. في نهايةِ المَطاف، تكلَّلَت مسيرتُهم المشتَرَكة بدخول البيت معًا. “فَوجَدُوا الطِّفلَ الإلٰهيَّ مَعَ أمِّهِ مَريَم. فَرَكعُوا وسَجَدُوا لَهُ” (مت ٢: ١١).

كان السّجودُ للإلٰه الحقيقي مُبتَغاهُم منذ زمنٍ بعيد. لقد تحقّقَ بِظهور النَّجم، ولٰكن أيضًا بعدَ أنْ أجْمَعوا في رُؤيَتِهم له واتّفقوا على السّيرِ معًا على نورِه. لا شكّ في أنَّ إجْماعَهم في النّظرَة إلى العلامة السّماويّة وَوَحْدَتَهم في المسيرة ساهَما في الحضورِ أمام الإلٰه للعبادة والصّلاة. في المُقابل، رسَّخ اجتماعُهم في البيت الواحد والسّجودُ معًا للمسيح الشّركةَ فيما بينهم، فباتَت هداياهم المتنوّعة، أَثَمينةً كانَتْ أمْ متواضعة، كُنوزًا تليقُ بالإلٰه. ورافَقَتهم تلك الوحدَةُ المتجدِّدة باللّقاء حولَ الرّبِّ الواحِد، في عَودَتِهم إلى بلادهم المختلفة، إذْ يذكر الإنجيلُ أنَّهم سلكوا الطّريقَ الذي أوحَاهُ اللّٰهُ لهم.

مع صلاتِنا المتواصِلة مِنْ أجلِ الوَحدَة، نَتَمثَّلُ هٰذا الأسبوع، نحنُ المُنتَمين إلى تَقاليدَ مختلفة، بالمجوسِ الحكماءِ الذين تَشاركوا الرّؤية والطّريق، واتَّحَدوا، فٱقتَربوا مِنَ الإلٰه الذي كانَ ينيرُهم مِنْ بعيد، لا بَلْ التَقَوه وسجدوا له "وَفَرِحُوا فَرَحًا عَظيمًا جِدًّا". (مت ٢: ١٠)

فرَحُنا في دائرة الشّؤون اللاهوتيّة والعلاقات المسكونيّة في مجلسِ كنائسِ الشّرق الأوسط أنَّنا ساهَمْنا هٰذه السّنة، ليسَ بتَوفيرِ النّسْخةِ العربيّة لأسبوعِ الصّلاة مِنْ أجلِ الوَحدَة وحَسب، بل وبإعْدادِ نُصوصِه التي، وبعدَ أنْ أقرَّتها الجّهاتُ المَعنيّة في كُلٍّ مِن مجلس الكنائس العالَمي والكرسي الرسولي، ستكونُ أقلَّه طَوال هٰذا الأسبوع، صلاةً على كلِّ شَفَة وبُكلِّ لِسَان، وتأمُّلًا في قلبِ إخْوَتِنا وأخَواتِنا المسيحيين المُنتَشِرين في أرْجاءِ المسكونة الأربعة. الشكرُ للزّملاء الذين قاموا بهٰذا الخِدمة الكنَسية.

لِنَتذكَّر أنَّ الوحدَة مِنْ أجلِ الصَّلاة، ولا سيما إذا كانت في مكانٍ واحد، هي أبهى تجلِّيات كنيسةِ المسيح الواحِدَة، لا بَلْ هي تَحقيقٌ مُسبَق لغايَتِها النّهائيّة، أي الانضِمامُ إلى الأجواق السّماوية حَيْثُ "كُلُّ خَليقَةٍ في السَّماءِ والأرضِ وتَحتَ الأرض وَفي البَحرِ والكَونِ كلِّه تَقول: لِلجالِسِ عَلى العَرشِ ولِلحَمَل الحَمدُ والإكْرامُ والمَجْدُ والجَبَروتُ إلى أبَدِ الدُّهور." (رؤ ٥: ١٣)

Previous
Previous

معًا نتّحد في الصّلوات اليوميّة الخاصّة بأسبوع وحدة المسيحيّين 2022

Next
Next

مع إنطلاق أسبوع الصّلاة من أجل وحدة المسيحيّين