ماذا فعلتُم ببيت اللّه؟
هذه الكلمة متوفّرة أيضًا باللّغتين الإنكليزيّة والإسبانيّة.
د. ميشال أ. عبس
الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط
الأوّل من شهر أيلول/سبتمبر هو بداية موسم الخليقة كما اقرّته البطريركيّة المسكونيّة عام 1989، وهو يشكّل في آن، بداية موسم الخليقة وبداية السنة الليتورجيّة. خلال هذا الموسم الذي يستمرّ حتى الرابع من تشرين الأول/ أوكتوبر تقام الصلوات والنشاطات التثقيفيّة التي من شأنها رفع مستوى الوعي والإلتزام البيئيّين لدى الناس.
في بداية هذا الموسم المبارك، يحقّ لنا أن نسائل البشريّة عمّا اقترفته أيديها بحقّ عطيّة الخالق التي أرادها مكانًا جميلاً صحيًّا تنمو فيه الإنسانيّة جيلاً بعد جيل على أن تكون لهم حياة أفضل.
سوف نتوقّف في هذه المقالة على بعض المفاهيم والمعطيات البيئيّة التي لا بدّ أن تكون بمتناول العامة من أجل فهم أفضل للكارثة البيئيّة التي وصلت إليها الكرة الأرضيّة، بيتنا جميعًا.
فرع العلوم المعني بهذا الأمر هو علم البيئة، وهو العلم الذي يدرس كيف تتفاعل المخلوقات الحيّة مع بعضها البعض ومع محيطها.
لقد حدّد هذا العلم مفهومًا شديد الأهميّة تحت مسمّى التحدّي البيئيّ.
يرتبط هذا التحدّي بكميّات النفايات غير القابلة للتحلّل طبيعيًّا التي تنتجها نشاطات الإنسان على اختلاف أنواعها. هذه النفايات عصيّة على الهضم والإمتصاص من قبل الطبيعة وهي تتسبّب بأضرار شتّى. إضافة إلى ذلك تزعج - إلى حدّ إيقاع الضرر- هذه النفايات إيقاع المسارات العائدة للطبيعة ودورات الحياة الطبيعيّة على اختلافها كما تضرّ بالعلاقات التي تربط النبات والحيوان والحياة الإنسانيّة.
لذلك نرى، يومًا بعد يوم، أنّ الأنساق البيئيّة للكُرَة الأرضيّة قد اضطربت وأصبحت في خطر وذلك بسبب نشاطات إنسانيّة قصيرة الأمد لها انعكاسات مؤذيّة على المدى الطويل. والمشكلة الأساس أنّ من يقوم بهذه النشاطات المضرّة هم مجموعات محدودة من الناس يرمون أذاهُم على سائر البشريّة.
لقد شهدت الإنسانيّة منذ بداية التاريخ الجلّي أشكالًا عدّة من التلوّث مثل الحرائق الطبيعيّة والبراكين والعواصف الرمليّة، لكنّ الأذى الذي كانت تسبّبه هذه الأشكال المسمّاة طبيعيّة كان محدودًا في الزمان والمكان.
أمّا التلوّث الممنهج والضار بشكله الحديث، فقد بدأ مع الثورة الصناعيّة وبداية عصر الآلة، حيث انتشرت المعامل والقطارات وشتّى أنواع الآلات في الكثير من أنحاء المعمورة، ناشرة التلوّث ومعتدية على البيئة. أكان بسبب الإحتراق، غير الكامل أحيانًا، أم بسبب بقايا عمليّات الإنتاج، فإن الإعتداء على البيئة قد انطلق وأخذ مداه جيلًا بعد جيل، تبعًا لتطوّر الآلات وتقنيّات الإنتاج.
ولم تكن الزراعة بعيدة عن الضرر بالبيئة، على الرغم من أنّها عمليّة تؤدي إلى ازدياد الزرع والخُضرة، إذ إنّ اللجوء إلى بعض أنواع المبيدات والأسمدة قد شكّل ضررًا بيئيًّا لا جدال حوله.
اليوم، وبعد قرنين من انطلاقة الثورة الصناعيّة، نستطيع أن نقول أنّ البيئة مصابة بعسر هضم وهي لم تعد قادرة على تذويب ما يُرمى في أحشائها من سموم من كلّ الأنواع.
ما يزيد الطين بلّة هو الإزدياد السكّانيّ المضّطرد الذي تشهده البشريّة إضافة إلى تزايد متطلّبات الحياة والرفاهية التي ترفع بشكل لا سابق له كميّة النفايات المتراكمة.
ما هي أشكال الأضرار التي فتكت بالبيئة الطبيعيّة للإنسان؟
على صعيد الهواء، نعلم جميعًا الضرر اللاحق بطبقة الأوزون والإحتباس الحراري، إضافة إلى ما تنفُثه دواخين المصانع وعوادم الآليّات السيّارة يوميًّا في الفضاء.
أمّا على صعيد المياه، فالجميع يرى في نشرات الأخبار كوارث الفيضانات التي تقابلها كوارث الجفاف في أمكِنة كثيرة من العالم. إنّنا ننظر بقلق إلى مستقبل المشرق الأنطاكي ووادي النيل على ضوء الجفاف المرتقب – والذي يُعّدُ لهم – والذي قد يؤدّي إلى فقر وحروب ونزاعات مُسلّحة. يرى الباحثون في هذا المجال أنّ حروب المياه والمناخ قد تكون أسوأ وأكثر ضراوة من حروب الطاقة.
على صعيد آخر، لا بدّ لنا أن نذكر التلوّث الذي يصيب مياه الأنهر والبحار بسبب النشاطات الصناعيّة وسوء إدارة النفايات التي تنتج عنها.
أمّا النبات والحيوان فقد تضرّرت بشكل كبير بسبب اجتياح الغابات وانتشار العمران العشوائي وعدم احترام التوازنات الطبيعيّة في كثير من الغابات ذات التركيبة البيئيّة الحسّاسة.
إضافة إلى ذلك، نشهد تآكلاً للمساحات الخُضر وتراجعًا في المساحات الخصبة والمزروعة، وزحلاً للأراضي واختفاءً لبعض المناطق إمّا بفعل الحفريّات التي تجري في محيطها أو بفعل قطع الأشجار ممّا يُضعِف تماسك التربة. هلّ يَعي الناس أنّ غابة الأمازون قد أضحت مستهلكة بنسبة عشرة في المئة وهي المكان الذي يُعوّل عليه من أجل التوازن البيئي للكرة الأرضيّة؟
يبقى أن نشير إلى تلوّث من نوع مختلف يسمّى الضجيج. في البداية كان يعتبر التلوّث الضجيجيّ تلوّثًا مدينيًّا، أمّا الآن فقد انتشر في كل أنحاء المجتمعات الحديثة حيث غزت الآلة كلّ فجّ عميق في مختلف البلدان.
كلّ ما ورد أعلاه يقابله نوع هو الأخطر والأكثر فتكًا بدون منازع: النفايات النوويّة! هذه النفايات تزداد سنة بعد سنة بسبب استهلاك المادّة النوويّة وضرورة تغيّيرها في الكثير من المفاعلات في العالم، وتكون عادة من نصيب العالم الثالث والبلدان الفقيرة. قد تبقى هذه النفايات لأجيال دون أيّ مفعول ولكنّ لا أحد يعلم متى وكيف وفي أيّة ظروف قد تشكل مقتلًا لجزء من البشريّة. إنّها قنابل موقوتة والمشكلة أنّ الكثير من مكبّات النفايات النوويّة تبقى سريّة لأسباب سياسيّة أو بسبب فساد الفئات الحاكمة في البلدان المضيفة.
هذا هو حجم المصيبة التي بلينا بها بيت اللّه.
هذا ما اقترفته يدُّ الإنسان بحق الجمال الذي أنعم به الخالق علينا.
التحدّي كبير، على كنيسة المسيح كما على سائر أبناء المجتمع الإنسانيّ.
هو خَلَقَه لنا دافئًا، مضيافًا، معطاءً، ونحن جعلناه مغارة للفساد واللامبالاة وانعدام المسؤوليّة.
إنّ مجلس كنائس الشرق الأوسط، إذ يفتّتح نشاطاته في المجال البيئي في هذه المرحلة عبر الإحتفال المسكونيّ الذي جرى الإعلان عنه في الإعلام كما في وسائل التواصل الإجتماعي وعبر الأبرشيّات والرعايا المنتشرة في مختلف مناطق المشرق الأنطاكي ووادي النيل، يؤكّد أنّ هذا العمل هو بداية مسار طويل مع إنقاذ البيئة وحمايتها وإعادة تأهيلها.
إنّ لجنة العدالة البيئيّة التي انشأتها الأمانة العامة في المجلس والتي نظّمت هذا العمل – موسم الخليقة – ستشكِّل الإطار الذي ينسِّق مختلف النشاطات البيئيّة مع باقي دوائر وبرامج المجلس.
هنا، لا بدّ لنا أنّ نؤكد التزام قيادات المجلس والقيادات الروحيّة عمومًا ووعيها التام لخطورة وأهميّة البيئة كإطار رسمه الربّ لنموّ الإنسان وسعادته وتاليًا ضرورة حمايتها، وهي تدعم هذا الإتّجاه الذي ستكون فيه كنيسة المسيح العلامة الفارقة.