مجلس كنائس الشرق الأوسط، من صراع البقاء إلى النماء
هذه الكلمة متوفّرة أيضًا باللّغتين الإنكليزيّة والإسبانيّة.
د. ميشال أ. عبس
الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط
منذ تأسيسه في الستينات تحت مسمّى مجلس كنائس الشرق الأدنى، حيث كان يضمّ الكنائس الإنجيليّة حصرًا، إلى تحوّله إلى مجلس كنائس الشرق الأوسط، في السبعينات، حين انضمّت إليه الكنائس الأرثوذكسيّة، إلى انضمام الكنائس الكاثوليكيّة في التسعينيات، ما زال هذا المجلس يفاجئ المؤسّسات الشريكة والمجتمع عامّة بديناميّته وقدرته على التجدّد والتأقلم مع محيطه وتقديم أفضل الخدمات للمجتمع بفئاته كافة.
لقد مرّ المجلس في العقد الماضي بأزمة كادت أن تكون مصيريّة لولا صمود قياداته ومكوّناته وحلفائه الّذين رفضوا الإستسلام للأمر الواقع وانبرى كلٌّ منهم يقدِّم ما استطاع من دعم ماديّ وعلميّ وخبراتي حتى مرّ القطوع واستقرّ وضعه وأضحى في مأمن من التفكك والإختفاء.
هذه المرحلة نسمّيها في علم المنظّمات مرحلة صراع البقاء وهناك الكثير من المؤسّسات من لم تستطع إجتيازها فانتهى أمرها ورُميت في النسيان.
المجلس لم يخفق في مرحلة صراع البقاء، والفضل بذلك يعود الى تضافر عوامل عدّة هي:
1- الذاكرة التاريخيّة للمجلس التي لا تعود فقط إلى تاريخ تأسيسه بلّ إلى ذاكرة الكنائس التي تكوّنه والتي تعود إلى مئات لا بل آلاف السنين. هذه الذاكرة من شأنها أن تعطي زخمًا نفسيًّا ومعنويًّا للمعنيّين بالمجلس ومصيره تجعلهم لا يتراجعون أمام الصعاب.
2- روح التضحيّة التي تجلّت في تقديمات نقديّة ومهنيّة من قبل الكثير من الذين يهمّهم مصير مؤسّسة هامّة من هذا العيار الرفيع. يخبرنا الذين عاشوا مرحلة الإنقاذ كيف رخصت التضحيات أمام الهدف الذي وضعوه نصب أعينهم والذي تمثّل بإنقاذ هذه المؤسّسة مهما كان الثمن.
3- حكمة الذين أخذوا على عاتقهم الإضطلاع بهذه المهمّة ودرايتهم وحسِّهم بخطورة ما هم بصدده والكارثة التي قد تنجم عن الإخفاق بالمهمة.
4- شعور المعنيّين بالأمر بخطورة إنتظارات الناس بالنسبة إلى مؤسّسة إفتتحت أساليب جديدة في العمل والتعامل مع الحاجات والعلاقات بين الكنائس كما وبينها وبين أبناء الأديان الأخرى.
5- الدعم والتضامن الذين أحاطت به المؤسّسات الدوليّة والمحليّة المجلس والذي شكّل اطارًا معنويًا ساعد على اجتياز مرحلة الأزمة.
في المحصّلة، إجتاز المجلس الزمن العصيب وعاد إلى مرحلة النموّ والتموضع من جديد وإحتلال المكانة التي تليق به في المجتمع المحليّ والدوليّ وقد ترافق ذلك مع إزدياد في المصداقيّة المهنيّة.
المجلس اليوم يبدأ مرحلة جديدة من الصعود لكي يعود المرجع الأكثر صدقيّة في مجالاته فهو، إضافة الى البرامج المستمرّة منذ عقود، قد بدأ بالعودة إلى مجالات كان قد أخلاها ومجالات جديدة يراها ضروريّة في المرحلة التي تمرّ بها منطقتنا.
برامجه تشمل الإغاثة والتنمية والتأهيل المهني والدعم المدرسيّ والدعم المؤسساتيّ والإعمار، إضافة الى العمل مع الشبيبة وتمكين المرأة والتنمية الريفيّة وحماية البيئة. وفي المجال اللاهوتي والعلاقات المسكونيّة والمسيحيّة الإسلاميّة ينشط المجلس أيضًا من أجل مجتمع وغد أفضل.
امّا المجال الذي يعتبره المجلس أولى الأولويّات فهو إعادة تأهيل الرأسمال الإجتماعي ومنظومة القيم وصولا إلى العمل على ثقافة إستعادة الكرامة الإنسانيّة وقد جرى تحضير برامج في هذا المجال وهي في مراحل البلورة النهائيّة. المسيحيّة نبع قيِّم ينهل منه الجميع.
هذا ما نحن اليوم، وبهذا الايمان نسير ناظرين إلى المستقبل بعزم ومحبّة وإيمان.
إنّ غدًا لناظره قريب!