رحلت قبل بزوغ الفجر

هذه الكلمة متوفّرة أيضًا باللّغتين الإنكليزيّة والإسبانيّة.

د. ميشال أ. عبس

الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط 


في الساعة الثانية من ليل أمس، وبينما كانت الأخت كلير تهمّ بالدخول إلى كنيسة مار الياس في دير مار الياس الراس، من أعمال كسروان، سقط ترابها أرضًا بينما انعتقت روحها تعانق الفادي.

على عتبة الكنيسة الأرضيّة سقطت الراهبة الممّرضة التي دأبت لعقود تداوي جراحات المسيح في كلّ مريض في المستشفى الذي عملت فيه، ولم تحتَج لأحد يضمّد جراحها أو يسقيها قطرة ماء الرحيل.

كم أنت عظيمة أيّتها الراهبة كلير، المنيرة، ترحلين في عتمة كون دامس الظلام ووطن مدلهِّم الليل. كم أنت عظيمة أيّتها المُنكبّة على تسكين آلام مرضاكِ ترحلين في صمت ولا تئنين ولا تستغيثين ولا تزعجين رفيقاتك في هذا الدير المبارك الذي فيه ينشأ أمثالك.

عندما جدّ رحيلك قبِلتِه بتواضع الرسل وبصمت الشهداء وسرتي لملاقاة الفادي الرحيم. عندما آن أوان الرحيل لم تستأذني أحدًا ولم تأبهي لشيء، بل قصدتي المتجسّد إلى حيث هو، إلى حيث معه الجميع أحياء، إلى حيث يتحوّل الزمن أبديّة.

"مغبوط السبيل الذي تسيرين فيه اليوم، فقد أعدّ لك مكان الراحة" يقول النصّ الكنسي.

تحق لك الراحة بعد أن أفنيتي عمرك تؤمّنين الراحة لمن تحبّين بحكم مهنتك المسمّاة مهنة ملائكة الرحمة.

رحيل الأبرار مفرح وموجع في آن، ولكن الرحيل قدر، والقدر ليس منه مفرّ.

لقد رحلتي في البيعة أيّتها الراهبة المعطاء والذين يرحلون في البيعة يكونون قد "رَدّوا الوديعة." باسم الصليب الحيّ لم تخشي الرحيل إذ إنّك عُدتي "من أرضِ اليُتْمِ في عُرْيِ المصلوبْ" كما ورد في رتبة وضع البخور.

لقد بررت بالوزنات التي أعطيت لك، وثمّرتها وأيّما تثمير. تسكين آلام البشريّة ومداواتها لهو أشرف ما يمكن أن يقوم به إنسان. وزناتك رافقتكِ حتى آخر يوم لك في هذه الفانية وليس أعظم من الحبّ الذي أعطيته للناس وتوّجته بمداواة رفيقاتك في الدير.

أنت، يا ابنة الدير، واحدة من العذارى العاقلات اللواتي ملأن مصابيحهّن زيتًا بانتظار العريس وقد علمتِ اليوم والساعة وكنتِ على الموعد، فعرفك الربّ حقّ معرفة لأنّ من ثمارهم تعرفونهم.

أيّتها الراهبة الممرّضة كلير، تنطبق عليكِ طروبارية "ها هوذا الختن يأتي في نصف الليل فطوبى للعبد الذي يجده مستيقظًا أمّا الذي يجده متغافلاً فهو غير مستحق. فانظري يا نفسي ألا تستغرقي في النوم ويُغلق عليكِ خارج الملكوت وتُسلَّمي إلى الموت، بل كوني منتبهةً صارخة ".

لقد أتى الختن في نصف الليل فوجدك مستيقظة غير مستغرقة في النوم، بل منتبهة صارخة فدخلتِ ملكوت السماوات.

أنت الذي قال عنك الطوباوي أغسطينوس "هكذا من يؤمن بالمسيح يحيا، بشرط أن يرتدي ثوب العرس، ويُدعى ليبقى لا أن يُطرد".

أيّتها اللامسة بحنو جراح الموجوعين، سوف تستذكرك رفيقاتك في دير مار الياس الراس المبارك لفترة طويلة، وسوف تفتقدك كلّما ألمّ بهنّ وجع أو فتك بهّن مرض ولكنك تستطيعين أن تنامي قريرة العين حيث أنت، فقد اعدتي الوزنات.

Previous
Previous

يوم حقوق الإنسان - 10 كانون الأوّل/ ديسمبر

Next
Next

أمين عام مجلس كنائس الشرق الأوسط د. ميشال عبس في زيارة إلى مصر