جولة ثانية للمسار التشاوريّ حول التماسك الإجتماعيّ العراقي في بيروت

بتنظيم من مجلسي الكنائس العالميّ وكنائس الشرق الأوسط

ممثّلون للمكوّنات المجتمعية والدينيّة بحثوا في تعزيز روح الأخوّة والمواطنة لعراق أفضل

هذا الخبر متوفّر أيضًا باللّغتين الإنكليزيّة والإسبانيّة.

في متابعة للمسار التشاوريّ الّذي انطلق العام 2017 من بيروت حول عنوان "التماسك الإجتماعيّ في العراق"، نظّم مجلس الكنائس العالميّ بالتّعاون مع مجلس كنائس الشرق الأوسط حلقات تشاوريّة جديدة من 13 إلى 15 كانون الأوّل/ ديسمبر 2021 في بيروت، بحضور الأمين العام لمجلس الكنائس العالميّ الأب الدكتور يوان سوكا والأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط الدكتور ميشال عبس، ومشاركة 40 ممثّلًا عن مختلف الكنائس والديانات والمنظّمات والجهات الرّسميّة المعنيّة ومكوّنات المجتمع في العراق.

إفتُتح اللّقاء بكلمة للأب سوكا أبرز ما جاء فيها "يشكّل الإيمان جزءًا من هويّة الإنسان، يؤثر عليه في كلّ مراحل حياته. إيمان الإنسان بالله يحدّد نمط حياته، من العلاقة بالآخر إلى التعاضد والتآخي". وأضاف "لا يفرّق فيروس كورونا بين المجتمعات الدينيّة، والهويّات الوطنيّة، والألوان، والأجناس. إنّما يطال جميع النّاس وبتساوٍ، دون أي تفرقة. من هنا أهميّة دور القادة الدينيّين في مسار المجتمعات المحلّيّة حيث يساهمون بشكل كبير في نشر قيم العدالة والسّلام والتماسك الإجتماعيّ، وهذه هي الحال في كلّ العالم عمومًا والشرق الأوسط خصوصًا...".

تابع سوكا "يساهم التعاون ما بين الأديان في معالجة مسألة التماسك الإجتماعيّ في المنطقة وبناء جسور ثقة بين المجتمعات إضافةً إلى تمهيد الطريق للوصول إلى مجتمع سلميّ ومزدهر. تكمن مسؤوليّتنا الجماعيّة كقادة دينيّين وعرقيّين في تعزيز الثّقة وروح التسامح والحفاظ على حقوق الإنسان لأفراد مجتمعنا".

وأردف "بناءً على توصيات هذا المسار، واصل مجلس الكنائس العالميّ العمل مع الكنائس الأعضاء والمنظّمات الشّريكة والقادة الدينيّين على تنفيذ أكبر عدد ممكن من البرامج والأنشطة في هذا الإطار". وعرض سوكا لأبرز ما سعى إليه مجلس الكنائس العالميّ بدءًا من "إلغاء كلّ أشكال الفكر المتطرّف ضدّ أي مجموعة دينيّة أو عرقيّة من المناهج التعليميّة وأي محتوى يهدف إلى التحريض على العدائيّة أو التميّيز أو التهميش، وإضافة المعلومات النّاقصة والأقسام المتعلقة بتمثيل المكوّنات العرقيّة في المناهج الدراسيّة...".

وقال سوكا "يحتاج العراق، مهد الحضارات، اليوم أكثر من أيّ وقت مضى إلى خطّة وطنيّة يقوم عبرها القادة الدينيّون بدور حاسم. خطّة تراعي التعرّف على الجهود القائمة في سبيل تحقيق العدالة الإنتقاليّة ودعمها، لا سيّما وأنّ هناك حاجة إلى تدابير تراعي العدالة التصالحيّة؛ خطّة تسهم في إعادة بناء رأس المال الإجتماعيّ والثّقة بشكل طويل الأمد ومنظور متعدّد؛ تدعم المشاركة الرّوحيّة والأخلاقيّة للقادة الدينيّين من كلّ الجماعات العرقيّة والدينيّة؛ تهدف إلى تعزيز الدور الفاعل للدولة كي تكون حاضرةً ممثّلةً ومسؤولة عن كلّ مكوّنات المجتمع، وتحرص على تطبيق سيادة القانون؛ خطّة تعمل على مواجهة خطاب الكراهيّة ومسألة تجريد الآخرين من إنسانيّتهم...".

وختم سوكا "نحن نشكّل جماعات إيمانيّة حيّة. حوارنا هو حوار الحياة، حوار الإنسانيّة. يمكننا معًا بناء الجسور بين مساراتنا وأهدافنا حتّى تحتفل قلوبنا بزمالتنا ليصبح هذا العالم مكانًا أفضل للعيش فيه بسلام ووئام وكرامة".

كلمة الأب الدكتور يوان سوكا كاملةً باللّغة الإنكليزيّة.

بدوره وجّه الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط الدكتور ميشال عبس كلمة إفتتاحيّة قال فيها "إنّ إنهيار ثقافة قبول التنوّع وقبول الآخر هو مؤشّر على إنفراط العقد الإجتماعي وتاليًا تحوّل المجتمع إلى غابة يفتك فيها القويّ بالضعيف... إنّها حمّى النزعة الإلغائيّة الّتي تصيب المجتمعات في فترات من تاريخها وقد تصيب مجموعة واحدة.

ما السبيل الى الوقاية من هكذا أوبئة وصيانة وحدة المجتمع وتأمين إزدهاره ورفاه بنيه؟ إنّه الكلمة أيّها الناس! الكلمة الّتي ميّزت الإنسان عن باقي المخلوقات!... هل هي صدفة أن تكون في البدء الكلمة؟ الكلمة تعني أن تكون قادرًا أن توصّل رسائلك إلى الآخر وأن تتسلّم رسائله".

وأضاف "للأسف، إنّ ما جرى في العراق يثبت بما لا يقبل الجدل أنّ التقدّم التكنولوجي والعلميّ، إن لم يواكبه تقدّم على مستوى التكامل الإجتماعي فإنّه يبقى عرضة للإنهيار في أيّة لحظة. إنّ المجتمع هو كلّ متكامل يتقدّم بكلّيته، ويتراجع إذا بقيت إحدى أبعاده دون التقدّم الّذي وصلت إليه الأبعاد الأخرى".

كما تطرّق د. عبس إلى موضوع التربية معتبرًا أنّها "تشكّل العمود الفقريّ لهذا المسار إذ هي الإطار الأساس لبناء العقول وصقلها وإرشادها إلى سبل تفكير جديدة وصولًا إلى بناء الإنسان الجديد... إذا أردت تدمير مجتمع فما عليك إلّا تدمير قطاعه التربويّ".

أمّا الإعلام "القوّة الجديدة لتشكيل منظومة القيم"، فإعتبر د. عبس أنّه "الأداة الأكثر تأثيرًا في تكوين العقل الجماعيّ والمجتمعيّ سلبًا أم إيجابًا... إذا لم يعي الاعلام خطورة كلّ كلمة وهمسة ورفة عين يعمّمها عبر أدواته فإنّ المجتمع يكون في خطر".

وعن الدستور ودور الدولة قال أنّها "المتمثّلة بالدستور فهي الضامن الأكبر للسّلم الأهليّ والتكامل الإجتماعيّ وتاليًا، تكوين الرأسمال الإجتماعيّ. في الدولة العادلة تنتفي الأبعاد القاتلة للهويّات إذْ إنّ تطبيق القانون هو الوسيلة الوحيدة المتوفّرة لتحصيل الحقوق. إعتبرنا أنّ التعامل مع البعد الدستوريّ في سياق إهتمامنا بالتماسك الإجتماعيّ في العراق أمر ضروريّ".

تابع د. عبس "أتمنّى لهذا اللّقاء أن يكون لبنة تضاف إلى بناء العراق الجديد، هذا العراق الّذي لم نتصوّر يومًا أنّه قد يصل إلى ما وصل إليه. نتمنّى على جميع المتحاورين، وهم من نخب المجتمع العراقيّ صياغة غد أفضل لمجتمع عانى من الظّلم ما يكفيه. مجتمع يستحقّ الحياة لأنّه يكتنز في تاريخه وثقافته وموارده الإنسانيّة والماديّة مقوّمات الحياة الكريمة. لقد كان مجتمعكم ضحيّة مؤامرة موصوفة وسافرة إنتهت بإعتذار لن أعطيه الوصف الّذي يستحقّ ولكن يمكنني أن أقول عنه أنّه لا يسمن ولا يغني عن جوع".

وتساءل "التاريخ بدأ في العراق، في بيث نهرين، فهل يعقل ألّا يكون هذا الشّعب واحدًا موحّدًا قد تمايزت فئاته عن بعضها البعض بحكم التحوّلات التاريخيّة والفتوحات والديناميّات الداخليّة الطبيعيّة في كلّ أمّة على وجه المعمورة؟ ... أنتم شعب واحد وحضارة واحدة في عميق جذورها... إنّ الوسيلة الوحيدة لبناء وحدة إجتماعيّة وبالتّالي وحدة وطنيّة هي التوصّل إلى رؤية مشتركة لما سيكونه وطن الغد".

وختم د. عبس "حقّ العراقيّين أن يحلموا، مثل كلّ شعوب المشرق الأنطاكيّ الّذي جرى تدميره بشكل منهجيّ، مجتمعًا بعد مجتمع، بدءًا بفلسطين وصولًا إلى الشّام فالعراق مرورًا بلبنان. إذا كانت أساطيرنا مشتركة منذ ما قبل التاريخ الجليّ، فمن باب أولى أن يكون مصيرنا مشترك وأن يكون ما يحاك لنا مشترك أيضًا. لا مفرّ لأي من مكوّنات مجتمعاتنا المشرقيّة من التماسك والتآزر وإلّا فإنّ المصير قاتم ولكنّنا قوم نؤمن بالقيامة وبتجدّد الحياة، فلنجسّد هذا التجدّد فيما سوف ننجزه خلال الأيّام القادمة والله وليّ التوفيق".

كلمة الدكتور ميشال عبس كاملةً.

أيضًا تخلّلت اليوم الأوّل كلمات تمحورت حول السّعي إلى تحديد رؤية مشتركة للعراق حيث تبادل المشاركون من مختلف التقاليد والديانات أراءهم حول التماسك الإجتماعيّ والدينيّ في البلاد، إضافةً إلى تقييم الواقع الحاليّ والبحث في سُبل تطوير المجتمع العراقي. كما تمّت مناقشة مسألة التربية في سبيل تحقيق اللُحمة الإجتماعيّة وتناول المشاركون دور التربية في بناء مجتمعات شاملة ومتنوّعة. هذا وعرضت نتائج العمل الّذي أُنجز في مسار مراجعة المناهج التربويّة في العراق.

أمّا اليوم الثّاني فشارك فيه السّفير العراقيّ في لبنان وتضمّن نقاشًا حول واقع الدستور العراقيّ ودوره في التعايش والتماسك إضافةً إلى البحث في خطّة عمل لمواجهة التحدّيات الّتي يفرضها الدستور. وفي اليوم الثّالث والأخير تمّ التطرّق إلى دور الإعلام في تطوير المجتمعات بغية تحقيق التماسك الإجتماعيّ. كما بحث المشاركون في مضمون البيان الختاميّ الذي سيصدر غدًا مع التوصيات الّتي سيحملها المجتمعون إلى المراجع المختصّة المعنيّة والمؤثّرة لتحقيق حُلم العراق الأفضل. 

مجلس الكنائس العالميّ:

Interfaith consultation on social cohesion in Iraq fields visions of hope

دائرة التواصل والعلاقات العامة

Previous
Previous

نحو مشرق أفضل

Next
Next

مستجدّات فيروس كورونا كوفيد-19 في الشرق الأوسط