المشرق الانطاكي: الانسان والهوية والمجتمع
بين التآمر والصمود
هذه المحاضرة متوفّرة أيضًا باللّغة الإنكليزيّة والإسبانيّة.
محاضرة الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط الدكتور ميشال عبس في ندوة One Voice Foundation والّتي حملت عنوان "صوت واحد لبنان وطن الإنسان" وعرض مفصّل حول المشرق الأنطاكيّ.
د. ميشال أ. عبس
الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط
دير سيدة البير – بقنايا، لبنان
16/10/2021
مأزوم هو هذا الحيز الجغرافي الحضاري الذي كثرت تسمياته حتى أضاع هويته.
منهم من سماه المشرق، ومنهم من سماه المشرق العربي، ومنهم من سماه الهلال الخصيب، ومنهم من سماه سورستان، وكل التسميات تشير الى منطقة متنوعة الاثنيات، كثيرات الانقسامات، غزيرة النزاعات، تعرضت في تاريخها الى ما لم تتعرض له منطقة أخرى من العالم من فتوحات واجتياحات ونكبات. لقد لعبت الجغرافيا ضد تاريخ هذه المنطقة واستقرار شعوبها وحضاراتها.
هذه المنطقة تسمى في الكنيسة الجامعة انطاكية وسائر المشرق. لذلك عندما يقدم الكاهن بطريركها في الباب الملوكي، يقول عنه، بعد تسميته، "المقام بطريركاً على مدينة اللّه العظمى انطاكية وسوريا والعربية والنهرين وما بينهما وبلاد الكرجية وسائر المشرق". بهذه الجملة يختصر النص المدى الحيوي-الثقافي الذي انتشرت ضمنه المسيحية الأولى قبل ان تتجه شطر الجارة الأقرب أرمينيا والاناضول – وهو يعني المشرق ايضاً، ومن ثم الى الجزيرة العربية ف وادي النيل والمغرب الكبير ومنها شرقا وغرباً الى سائر اقطار المعمورة.
لقد انطلق الصيادون الاميون من خليج منطقة الإسكندرون السليب، التي انتخبت لها الكنيسة مؤخراً راعيا مكان راعيها المُغيب، وجابوا العالم مبشرين جميع الأمم باسم الأب والابن والروح القدس ومعمدين المسكونة. لقد عبرت ترنيمة العنصرة عن هذا المسار حيث ورد في نصها:
"مبارك انت أيها المسيح الهنا
يا من أظهرت الصيادين غزيري الحكمة
اذ سكبت عليهم الروح القدس
وبهم اصطدت المسكونة
يا محب البشر المجد لك"
كم هو قوي ايمان هذه الامة وكم هي ماضية عزيمتها وكم هي غزيرة محبة أبنائها للعالم، حيث صدروا منذ فجر التاريخ أكثر أسس الحضارة الإنسانية.
لقد مر عبر التاريخ فاتحون كثر على منطقتنا، وتركوا آثارهم فيها ومشى على بقاياهم بعض أبنائها واعتاشوا على فتاتهم وتزلفوا وتزلموا لهم، في وقت قاوم شرفاء هذه الامة الفاتحين وبذلوا الدم والروح من اجل الحفاظ على هويتهم وكرامتهم. هكذا دائما الحياة، فيها الذليل المستجدي الحق استجداء وفيها العزيز الذي لا يعرف الا وقفات العز.
قلنا ان الموقع الجغرافي لهذه المنطقة قد لعب دوراً سلبياً جدا بحق شعوبها وحضارتها، اذ انها تتواجد على تقاطع قارات ثلاث وليس من المستغرب ان تمر دروب التجارة بين الشرق والغرب عبرها، مثل منطقة "الدرباسية" – درب آسيا – في الشمال الشامي وغيرها من المناطق متل تكريت – المشتقة من "تجورتو" – أي منطقة التجارة في شمال بيث نهرين.
هذا التواجد الجغرافي على تقاطع قارات ثلاث كان له، مقابل ايجابياته، سلبيات كثيرة أولها واهمها الفتوحات التي لم تسمح لهذه المنطقة ان تنعم لا بالاستقرار السياسي ولا الاقتصادي ولا الحضاري.
لن نعود الى ازمنة سحيقة من اجل فهم تركيبتنا والديناميات التي تحكم مساراتنا، ولكننا سوف نكتفي ببعض الاضاءات على سياسات واحداث انتجت بعض الثوابت التي تسير عليها منطقتنا والتي تحكم حياتها ومصيرها والتي تحمل طابعاً تآمرياً لا لبس فيه.
نظام الملّة العثماني
أدرك الحكام العثمانيون تنوع المجتمعات الدينية والعرقية التي كانت تشكل الإمبراطورية، فنظموا سلسلة من المفاوضات الخاصة مع رؤساء الجماعات الدينية، مما أدى إلى ما أصبح يعرف بنظام الملّة وتعني بالتركية “مجتمع ديني" أو "شعب"، وحتى "أمة" وتنطبق هذه التسمية على بعض الأقليات غير المسلمة، وخاصة المسيحيين واليهود.
في ظل هذه الترتيبات، نظمت هذه الجماعات وجودها في الإمبراطورية واستمرت من خلال نظام معمم من التسامح الإمبراطوري والمفاوضات المكثفة.
في الإمبراطورية العثمانية غير المتجانسة (1300-1923)، كانت الطائفة مجتمعًا دينيًا مستقلًا يتمتع بالحكم الذاتي، كل منه منظم وفقاً لقوانينه الخاصة ويرأسه زعيم ديني، كان مسؤولاً أمام الحكومة المركزية عن الوفاء بمسؤوليات وواجبات الطائفة، ولا سيما تلك المتعلقة بدفع الضرائب والحفاظ على الأمن الداخلي.
هذا النظام رسخ التباعد بين الجماعات التي تشكل مجتمع المشرق الانطاكي وساهم في إرساء الطائفية السياسية في لبنان، الوصفة الفضلى للاقتتال والتغطية على الفساد. هذا الامر ينطبق ايضاً على سائر دول المحيط التي، وان حظيت بأنظمة سياسية في ظاهرها علماني، الا ان الطائفية بقيت كامنة في بناها النفسية الاجتماعية وتذر قرنها من وقت لأخر عندما تدعو الحاجة.
وعد بلفور
وعد بلفور ينطبق عليه قول " من لا يملك يعطي لمن لا يستحق" وشكل نقطة تحول في تاريخ وهوية منطقة الشرق الأوسط. لقد كان تأثيره عميقا على مجريات أحداث المشرق العربي برمته ويمكننا اعتبار مفاعيله احدى أسباب التخلف والفقر والنزاعات في المنطقة.
وفقًا لنظام "الانتداب" الذي أنشأته معاهدة فرساي لعام 1919، فقد عهد إلى بريطانيا بإدارة فلسطين، على أساس أنها ستعمل لصالح سكانها اليهود والعرب ولا نحتاج الى الكثير من الشرح لكي نستنتج ما يجب استنتاجه.
اتفاقية سايكس- بيكو
يعود تاريخ اتفاقية آسيا الصغرى، الاسم الرسمي لاتفاقية سايكس- بيكو، إلى عام 1916.
كانت نتيجة مداولات سرية بين الموظف المدني البريطاني مارك سايكس والدبلوماسي الفرنسي فرانسوا جورج بيكو وأصبحت رسمية من قبل دول الحلفاء في الحرب العالمية الأولى مع مؤتمر سان ريمو في عام 1920.
لقد خلقت اتفاقية سايكس بيكو الشرق الأوسط الحديث.
مؤتمر سان ريمو
عقد مؤتمر سان ريمو سنة 1920 وقد كان هدفه توزيع انتداب عصبة الأمم لإدارة ثلاث مناطق عثمانية غير محددة في الشرق الأوسط: "فلسطين" و"سوريا" و"بلاد ما بين النهرين". لقد حضر المؤتمر كل من حاييم وايزمان وناحوم سوكولوڤ وهربرت صموئيل، الذي قدم مذكرة إلى الوفد البريطاني عن التسوية النهائية في منطقة شرق البحر المتوسط. وقد تم استدعاء وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور للتشاور، وبالرغم من اعتراض فرنسا على إدماج وعد بلفور في قرارات المؤتمر، إلاّ أن الضغوط البريطانية جعلت فرنسا توافق.
اليكم مقتطف من تقرير مؤتمر سان ريمو:
"ستكون الدولة المنتدبة مسؤولة عن تنفيذ الإعلان الذي أصدرته الحكومة البريطانية في 8 نوفمبر 1917، والذي تبنته دول الحلفاء الأخرى، لصالح إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين. من المفهوم بوضوح أنه لن يتم عمل أي شيء من شأنه المساس بالحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية الموجودة في فلسطين، أو الحقوق والوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي دولة أخرى."
ثم تم التصديق على هذا التفويض في 24 يوليو 1922 من قبل مجلس عصبة الأمم - المنظمة العالمية لما بعد الحرب وسلف الأمم المتحدة.
معاهدة سيفر
معاهدة سيفر 1920 - الموقعة بين الحلفاء في الحرب العالمية الأولى والإمبراطورية العثمانية.
تنازلت المعاهدة عن أجزاء كبيرة من الأراضي العثمانية لفرنسا والمملكة المتحدة واليونان وإيطاليا، بالإضافة إلى إنشاء مناطق احتلال كبيرة داخل الإمبراطورية العثمانية.
لجنة كينغ كرين
تم تعيين اللجنة بناءً على طلب من الرئيس الأمريكي ويلسون خلال مؤتمر باريس للسلام عام 1919 لتحديد مواقف سكان سوريا وفلسطين تجاه تسوية ما بعد الحرب العالمية الأولى على أراضيهم.
قامت اللجنة بجولة في سوريا وفلسطين بين 10 يونيو و 21 يوليو 1919، وطلبت الالتماسات من السكان المحليين، ووجدت اللجنة أن الغالبية العظمى من العرب يفضلون سوريا المستقلة، الخالية من أي انتداب فرنسي، وترفض فكرة إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.
من بين 1875 التماساً تم تلقيها، 72٪ منها كانت معادية للخطة الصهيونية الخاصة بوطن قومي لليهود في فلسطين. مثل هذه النتائج، إلى جانب الحديث الصهيوني عن تجريد العرب من ممتلكاتهم، دفعت اللجنة إلى تقديم المشورة بشأن تعديل جدي لبرنامج الهجرة الصهيونية في فلسطين.
التقسيم والتقاسم والسلخ
منذ سقوط الرجل المريض ووضع اليد الغربية على بلاد المشرق امعنت أقلام المندوبين الغربيين تقسيما وسلخا في البلاد وكأنك بهم أطفال يتلهون برسوم عبثية على الورق. أما التجارب التقسيمية فقد أتت كالتالي:
أ- تم تقسيم منطقة الانتداب إلى ست ولايات.
1- دمشق (1920)
2- حلب (1920)
3- العلويون (1920)
4- جبل الدروز (1921)
5- سنجق الإسكندرون المستقل (1921، المسمى هاتاي حالياً)
6- لبنان الكبير (1920) الذي أصبح فيما بعد لبنان الحديث
ب- تم تحضير سنجق الإسكندرون وأنطاكية لسلخهم عن الوطن الام:
تشمل أنطاكية وجميع المدن التي انطلق منها الرسل نحو بقية العالم، مثل مرسين، أضنة، طرسوس، وقد اعطوه بعض الاستقلالية تمهيدا لسلخه عن سوريا وتسليمه الى تركيا وذلك في عهد الرئيس الفرنسي ليون بلوم الذي خلد اسمه الصهاينة بمستوطنة على ارض فلسطين.
ج- وكانت مختلف المعاهدات قد سلخت الكثير من المناطق المسيحية وعددها خمسة وهي:
1- كيليكيا
2- الإسكندرون
3- هضبة عينتاب
4- الجزيرة الفراتية العليا
5- منطقة حكاري
هذه كلها مناطق شهدت لقرون ازدهار الديانة المسيحية وما رافق ذلك من ازدهار في العلوم والثقافة والفنون مثل المدن التي ذكرناها نضيف الها الرها ونصيبين وخربوط وسائر مناطق طور عابدين.
دخل إذاً المشرق الانطاكي الى العالم الجديد مقسما، مشتتا ومسلوبا، فاقدا لمقدراته وثرواته وقد خسر القطبين الرمزيين للمسيحية، انطاكية والقدس.
لن ندخل في سرد وتحليل الحقبات التي تلت زوال الاستعمار عن منطقتنا والتقلبات السياسية والعسكرية والاقتصادية التي عاشتها، واهمية سقوط القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة في ايدي الكيان الصهيوني المصطنع على ارض فلسطين.
ولكننا سوف نتساءل عن تدرج الحروب في المنطقة: أولا خراب فلسطين وضياعها، وكلنا يعرف مدى الازدهار العلمي والاقتصادي الذي كانت تتمتع بهم. ثانيا حرب لبنان التي كانت نتيجة ولو جزئية لخراب فلسطين، فكان ان خسر لبنان مقوماته الأساسية وما زال يتخبط في تبعات الحرب التي استمرت عقدا ونصف من الزمن فلم تبقِ ولم تذرِ. ثم حرب العراق الذي تجرأ وحاز القدرة التنكولوجية واستعاد علماءه المهاجرين، فاستحق دمارا مبنيا على كذبة صهيونية وتواطئ رئيس أميركي ووزير خارجيته المستتبع وكلاهما لا يعرفان معنى العار، فانتهت مأساة ملايين قتلى وجرحى ومعاقي العراق بكلمة "sorry" ولا من يحاسب ولا من يعاقب. أما آخر فصول مآسي المنطقة فأتت بشكل حرب عالمية شُنت على الشام، اشترك فيها محاربون من ثمانين جنسية، فدمرت أكثر الاقتصادات العربية صحية وتوازنا وارسلت شعبا برمته الى التشرد والفقر.
أورد كل ذلك من دون أي موقف سياسي، إيجابياً كان ام سلبياً، من أية من أنظمة الدول العربية، فتحليلي يحاكي الشعوب وبوصلته مصالحهم. نحن ننظر فقط الى الاسر المشردة وبيوتها المدمرة والأطفال الجائعين والجماعات التي تعاني الذّل، ولسنا معنيين بأي أمر خارج الحيّز الإنساني البحت.
انه القتل المتنقل يطال اهم منطقة في العالم من الناحية الروحية والثقافية والتاريخية، وحلقته الأضعف هم المسيحيين، المتناقصون عددياً والذين يفقدون تدريجيا مواقعهم السياسية والاقتصادية وغيرها مع تصاعد ميلهم نحو التشرذم والهجرة. ولكن الجدير ذكره هو ان هذا المنحى الهجروي قد أصبح معمما، ولم يعد محصوراً بالمسيحيين، ويشمل كافة النخب العلمية والاقتصادية في المنطقة على ضوء حالة عدم الاستقرار التي تعيشها منذ عقود والتي تنعكس على كل ابعاد الحياة.
هذه المنطقة تعاني اليوم من مشاكل من كل الأنواع:
- الديموغرافي: نزوح الشباب، ذوي الكفايات خصوصا
- اللجوء: ورود اللاجئين اليها بأعداد تفوق اية منطقة في العالم، إضافة الى مشرديها
- البيئي: وتراجع الزراعة وفقدان المياه وتصحر تدريجي يصيبها وهي محاصرة بالسدود
- السياسي: عدم قدرة هذه المجتمعات على انتاج أنظمة سياسية سوية تعبر عن مصالح المجتمع وتطلعات الأجيال القادمة
- التخلف الاجتماعي: جمود في البنى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وسيطرت كل اشكال الاقطاع والاحتكار
- الفقر: لدرجة البؤس وعدم القدرة على اجتراح نظام اقتصادي متطور يؤمن رفع مستوى المعيشة ويلجم البطالة المتصاعدة، إضافة الى اختلال عميق في نظام توزيع الدخل
- الأمني: وهو نتيجة عدم القدرة على السماح للتحولات السياسية السلمية إضافة الى العنف الاجتماعي الناتج عن البطالة والفقر وعدم تطبيق القوانين
- تصاعد الاصوليات الدينية والعرقية والاثنية وغيرها، وما يستتبع ذلك من أبلسة للأخر بشتى الوسائل
من أين السبيل؟
لن اردد مع امرؤ القيس: قفا نبكي من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل،
وقد نقول "بين القدس وإنطاكية".
نحن لسنا اطلالاً كي نبكي على أنفسنا او يبكي علينا الغيارى منا ومن غيرنا.
نحن حياة والحياة لا تقبل الفراغ، كما انها لا تحيا بالعزلة.
يملك شعبنا من الحيوية والابداع والاقدام ما يؤهله للخروج من مآزقه في وقت قياسي إذا تآزرت مكوناته وعرفت معنى وحدة الروح ووحدة الاتجاه. ان اذكاء الوعي والعمل الثقافي هما السبيلان الاساسيان لذلك، دون ان ننسى أهمية البعد المعيشي الحياتي للإنسان. في هذا السياق عندي اليقين ان كل ما يجري انتاجه من فكر وثقافة لا بد ان يؤتي ثماره في وقت لاحق وان طال الزمن.
نحن واحدة من المؤسسات العاملة على الأرض في عدة كيانات من المشرق الانطاكي ونقوم، بكل ما اوتينا من دراية وعزم وموارد، بخدمة هذا الشعب الخاضع لمجزرة دائمة متنقلة بين منطقه وأخرى. نحن نحتل طبعا موقعاً مميزا بحكم اننا نمثل كنائس المنطقة ولكن ما تقوم به سائر المؤسسات ليس بقليل ونعتبر ان كل هذه الموارد الفكرية والثقافية والمالية التي تصب في خدمة الناس سوف تكون أداة للتغير الذي يحصل ببطء، بحكم طبيعة البنى الاجتماعية.
في برامج مؤسستنا احدى اهم الأهداف هي الحفاظ على الوجود المسيحي في الشرق الأوسط وتدعيمه، ويتفادون تسمية المشرق الانطاكي. هذا الهدف لم يكن يوما هدفا يؤول الى الفرقة والفتنة والتمييز، فتاريخ مجلس كنائس الشرق الأوسط يشهد على هذا المنحى.
ما يمكن ان نقترحه او ان نسير به من خطط وبرامج ومشاريع يشمل كل اهل المشرق الكليم. نحن في فلسطين منذ النكبة وفي لبنان منذ رُسمت خطوط التماس وفي العراق منذ ان غدر به قتلة نهاية القرن وفي الشام منذ ان دمرت مدنها، ولم نميز ولا نميز ولن نميز بين محتاج وآخر بل نطبق معتقدنا المسيحي بحذافيره مستلهمين السيد المتجسّد المتمرّد في كل ما قال وفعل.
إذا كنا قد أطلقنا مشاريع إغاثة واعمار وتوعية فإنها شملت كل مستحق وإذا كنا نستعد اليوم لإطلاق مشروع الكرامة الإنسانية –الاستكشاف والاستعادة، فانه يشمل كل انسان يعيش على هذه البقعة من الأرض حيث ديست الكرامات وعومل الانسان بما لا يقبل به الذي خلقه على صورته ومثاله.
نحن في كل ما نقوم به، نتوخى اعمار البشر والحجر في مقاربة مادية-روحية متجانسة تأخذ بالحسبان كل مقومات الكائن الانسان.
نحن نعمل في الإغاثة والعناية الصحية والتربية والتأهيل المهني وتأهيل المؤسسات والتنمية الريفية وتمكين المرأة وتأهيل الشبيبة واسعاف اللاجئين، وخصوصا في بناء رأس المال الاجتماعي وتأهيل منظومة القيم التي تفككت بفعل الحروب والتشرد. نحن نعمل ايضاً في الفكر والاعلام، نوصل معتقدنا وقيمنا الى كل اصقاع العالم، ندافع عن قضايانا ونبرز عدالتها ونصوب ما اعوج من فكر محلي وغربي بالتضليل والاعلام المغرض الذي يشوه الحقائق وينكر على أصحاب الحقوق حقوقهم.
في عملنا هذا، نقول للناس ان هويتكم واحدة خلقها الباري، هي هوية الانسان وان التمييز العرقي او الاثني او الطائفي الذي حوّل مشرقكم الانطاكي الى جزر عنصرية تستنجد بالخارج ليس اصيلاً في تاريخكم الحضاري بل دخيل عليه.
السبيل ان يصرخ كل منا عالياً ان كفى رياءً وازدواجية معايير وتلاعبا بمصالح الناس ومشاعرها!
السبيل ان نصرخ للناس: اعرفوا الحق والحق يحرركم!