السلام ضرورة إنسانيّة
د. ميشال أ. عبس
الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط
تاريخ البشريّة حافل بالحروب، عُمّدت بشتى أنواع التسميات ... وكأنّ الحروب تحتاج إلى أسماء! هل هي محاولة لجعلها أكثر إنسانيّة؟
عند استعراضنا لمسار التاريخ، نجد تفاصيل ومعلومات مذهلة حول تصنيف الحروب وتأثيراتها ويتكوّن لدينا الانطباع بأن الجنس البشري يبني حضارة فقط ليدمّرها بالحرب.
يتراوح تصنيف الحروب من الغزوات والفتوحات الواسعة النطاق إلى الحروب الأهليّة المحليّة الصغيرة. وتشمل آثار الحروب الدمار بجميع أنواعه كما تشمل جميع أشكال الأضرار الانسانيّة من المصابين باعتلالات عقليّة ونفسيّة، الى المعوّقين جسديَّا، الى المفقودين، وصولاً الى الذين فقدوا أرواحهم. الحرب ليست سوى صورة مظلمة للطبيعة البشريّة وإخفاق للحضارة. الحرب هي أكثر الأعمال اللاإنسانيّة غير العقلانيّة التي يمكن للبشر إقترافها.
في الحرب يصبح كل شيء بخسًا، وخاصة الأرواح. الانسان الذي حملته أمّه تسعة أشهر، وشكّل فرح أسرته عند ولادته، وحاذ على الرعاية الطبيّة والتربويّة وغيرها، الإنسان الذي كلّف ثروات ليصبح مواطنًا قادرًا على الاضطلاع بمَهَمَة بناء المجتمع، يُضحي بلا قيمة، ويصبح فريسة لأضرار جانبيّة ناتجة عن تمادي الكراهية والعنف. المنشآت والاستثمارات التي تطلّب تحقيقها عقودًا من التضحيات، يمكن أن تختفي في لحظة خلال الحرب. الحرب تُفقد كل شيء آخر قيمته إذ، كما يذهب القول العربي، "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة". في التوق الى إبادة "العدو"، تجوز كل التضحيات. إنّ الحرب تمثّل ذروة الجنون البشري.
تعبير "مجرمي الحرب" يبدو تهكّمًا! هل يعني ذلك وجود "ملائكة حرب"؟ سيكولوجية اقتناء وحمل السلاح لا تترك مجالًا للتمييز.
خلال الحرب يشعر الناس بالمهانة وفقدان القدر والحاجة إلى الرحمة. كما يفتقر الناس إلى العناصر الأساسيّة للحياة الكريمة، من الخبز إلى الكرامة. نعم، الحرب تُفقد الكرامة.
المشكلة تكمن في أنّ المجتمع الصناعي الحديث لا يمكنه أنّ يبقى أو يستمّر من دون حروب. صناعة وتجارة الأسلحة والذخائر هي أكثر الأعمال ازدهارًا على الإطلاق. يشكِّل هذا القطاع رافعة أساسيّة للاقتصاد، وبالتالي، فإن الدول المستكبرة المتصفة بالنزعة الجرميّة تلجأ دوريًّا إلى الحروب من أجل إنقاذ اقتصاداتها. لقد اكتشفت هذه الدول ألا مصلحة لها في شنّ حروبها بشكل مباشر، فاعتمدت خوضها بالوكالة. أعمال مُربحة!
على ضوء كل ذلك، فإن الكنيسة، وكذلك المنظّمات المعنيّة بسلامة وكرامة الإنسان والحضارة، مدعوّة إلى تعزيز ثقافةٍ مناهضةٍ للحرب، من خلال التوعيّة والتعليم. السلام يُرسي أسس التقدّم والازدهار وتنمية المجتمع والثقافة. إنّ نشر ثقافة السلام هو مسعى صعب يحتاج إلى تعبئة كل محبي السلام، على الرغم من واقع أنه، عند "اندلاع" أي صراع، تعود الإنسانيّة إلى المربع الأول.
حتى الآن، مرّوجي الحرب أقوى من محبّي السلام، لكن الكفاح مستمر.