تأسيس مجلس كنائس الشرق الأوسط: فجر عهدٍ جديد في كنائس الشرق

الجمعيّة العامة الأولى لمجلس كنائس الشرق الأوسط هي الإجتماع التأسيسي الّذي انعقد عام 1974 حيث أنشئ خلاله المجلس. في النصّ التالي تجدون القرارات الّتي اتُّخذت خلال الإجتماع وأبرز ما جاء في كلمات رؤسائه آنذاك.

1.PNG

في أيّار/مايو 1974، فُتح فصلٌ جديدٌ في تاريخ كنيسة الشرق الأوسط خلال الاجتماع التأسيسيّ لمجلس كنائس الشرق الأوسط الذي عقد في نيقوسيا، قبرص من 28 إلى 30 أيّار/مايو، بحضور مندوبين يمثّلون ما يزيد عن ستّة ملايين ونصف مليون مسيحيّ آنذاك، ينتمون إلى الكنائس الشرقيّة الأرثوذكسيّة الخلقيدونية، والشرقيّة الأرثوذكسيّة غير الخلقيدونية والإنجيليّة والأسقفيّة.

وقد ضمّت اللّجنة التحضيرّية التي مهدّت لهذا الاجتماع من مختلف العائلات الكنسية:

الخلقيدونيّون:

رئيس الأساقفة قسطنطين ميخائيليدس

المتروبوليت اغناطيوس هزيم

المتروبوليت برثنيوس

غير الخلقيدونيّين:

الأنبا صموئيل

الأب أرام كيشيشيان

الأب جورج صليبا

الانجيليون والأسقفيون:

القس هوفانس أهارونيان

القس إبراهيم ملحم داغر

القس فايز فارس

السكرتيران:

القسّ ألبرت ستيرو

السيّد كبريال حبيب

هدف هذا الاجتماع التأسيسيّ إلى تشكيل مجلس إقليميّ للشهادة المشتركة والخدمة في هذه المنطقة من العالم. وخلاله، انتُخبت لجنةٌ تنفيذيّةٌ من 15 عضوًا لتوجيه أعمال المجلس وخدماته خلال فترة انتقاليّة تقدّر مدّتها باثني عشر إلى ثمانية عشر شهرًا. أمّا رؤساء هذه اللّجنة فكانوا: القسّ هوفانس أهارونيان الذي كان رئيس كليّة اللّاهوت في الشرق الأدنى في بيروت وممثّل الرابطة الإنجيليّة الأرمنيّة، ثمّ المطران اغناطيوس هزيم من بطريركية انطاكيا للروم الأرثوذكس والمطران صموئيل من البطريركية القبطية الأرثوذكسية في الإسكندريّة. وقد انتُخب ألبرت ستيرو أمينًا عامًّا لمجلس الكنائس في شكله الجديد.

حمل هذا الاجتماع البنيويّ العنوان التالي: "حاضر رسالتنا المسيحيّة المشتركة في الشرق الأوسط". وخلال حلقات النقاش، أكّد جميع الخطباء أنّ تكوين هذا المجلس يشكّل خطوةً مسكونيّةً جبّارةً كما أنّهم تداولوا في المفاوضات التي كانت متواصلة آن ذاك، مع كنائس أخرى في المنطقة والتي كانت تهدف إلى تكاتف الكنائس في إطار إلفة مسيحيّة حقيقيّة.

إنّ هذه الجمعيّة العموميّة كانت بمثابة اجتماع تأسيسيّ هدف إلى إطلاق مرحلة الانتقال من البنيات المسكونيّة القديمة نحو بنيات جديدة. كما أنّه هدف إلى القيام بعمليّة دمج بين مختلف دوائر مجلس الكنائس في الشرق الأدنى السابق من جهة وسائر الدّوائر المسكونيّة المستقلّة والمؤقّتة من جهة أخرى.

خلال الاجتماع التأسيسيّ للمجلس عام 1974، عكست كلمات الآباء المؤسّسين الرسالة الرئيسة التي أرادت هذه الجمعيّة الأولى التوجّه بها إلى كنائس منطقة الشرق الأوسط وأبنائها. وما زالت هذه الكلمات تنطبق على واقعنا اليوم وعلى واقع كنائس الشرق، لذا اخترنا أن نعرض بعض المقتطفات المعبّرة التي تلخّص الروحانيّة والفكر اللّذان كانا سائدين خلال الاجتماع.  

ففي كلمته، قال سيادة القس الدكتور هوفانس أهارونيان، ممثّلاً أعضاء الكنيستين البروتستانتيّة والأسقفيّة في مجلس الكنائس في الشرق الأدنى السابق، ما يلي:

“...نأتي إلى هذا المجلس وفي نيّتنا أن ننسى اختلافاتنا ونحاول أن نصل إلى ما يجمعنا، ليس معنى هذا أن نتخلّى عمّا نحن عليه وننسى ما نؤمن به، ولا نعرف ما علينا أن نعمل. نحن نؤمن بأنّنا عن طريق معرفة أنفسنا ومعرفة ما نؤمن به ومعرفة ما نريد أن نتوصّل إليه، عن طريق هذه كلّها نستطيع أن نقدّم بالفعل شيئًا لروح المشاركة في هذا المجلس. إنّ التشديد على اختلافاتنا قد فرّق بيننا طيلة قرون، ولكن الشّعور بالوحدة ساعدنا على الخروج من انعزالنا. وإنّنا لنأمل أن نكون واحدًا في الشركة المسيحيّة... لقد جئنا إلى هذا المجلس تلبية نداء إلهنا من أجل الوحدة، من أجل الشهادة، ومن أجل الخدمة في هذا العالم. ونحن على يقين أنّ هذه هي مشيئة اللّه في المسيح يسوع إلهنا”.

وفي كلمته، عكس الأنبا صموئيل الرّاحل وهو أيضًا أحد الرؤساء المؤسّسين للمجلس، روحًا من الالتزام الحقيقي بالحركة المسكونيّة:

“قد سبق أن سمعتم أنّ المفاوضات من أجل ذلك بدأت منذ عشر سنوات (لتأسيس مجلس كنائس الشرق الأوسط). وكانت النيّة حسنة عند جميع الجهات ولكن ما أخذ وقتًا طويلًا، هو إدراك الأهميّة التي تتعلّق بإيجاد الوسائل التي بواسطتها أن تشعر هذه الكنائس أنّ المجلس هو مجلس كلّ واحد منّا. لذلك فإنّ ما نحتاج إليه، هو الشعور الحقيقيّ بالانتماء، وليس فقط مجرّد اجتماعات من حين إلى آخر، واستعراضات شعبيّة لأثواب سوداء تزيد في مسيحيّة الاجتماعات... يجب علينا الآن، وبعد أن وصلنا إلى هذه المرحلة الحاليّة في تأسيس مجلسنا الجديد، أن ندرك أن هذه ليس نهاية الطريق. إنّها مجرد بداية عهد جديد، بداية تحدٍّ جديد. لقد اتّفقنا على مبدأ العمل معًا بإرشاد من الروح القدس وتلبية للدعوة المشتركة بيننا. إنّ مسؤوليّـنا جميعًا الآن أن نصلّي ونعمل جاهدين حتّى نتوصّل إلى معرفة حاجات شعبنا الروحيّة والاجتماعيّةـ ونخطّط معًا للطريقة التي يمكن بواسطتها لكنائس المنطقة أن تتعاون لتستجيب لهذه الحاجات، وتنقل رسالة إلهنا إلى البشريّة، فتعلن عن محبّته للتحرير، ودعوته للخلاص، وقدرته على شفاء الأرواح والأجساد، وكلمته المنوّرة للأذهان الموجَّهة للمحتاجين والبائسين... من أهمّ الأهداف التي تنتظر كنائسنا تحقيقها من المجلس الجديد، هو إظهار العمل على المصالحة والوحدة بغية تحقيقهما في الوقت المناسب وبالطريقة التي يرتئيها لنا اللّه”.  

وقد شدّد الرئيس المؤسسّ غبطة البطريرك اغناطيوس هزيم الرابع ومن ثمّ المتروبوليت إغناطيوس من اللّاذقية في كلمتهما على أهميّة هذه الالتزام:

“الأخوة الأحبّاء، لا شكّ بأن الكنائس التي أتت سويّة حتّى تقوم بهذا الاجتماع واعية تمام الوعي، بأنّها تجلس جنبًا إلى جنب مع بعضها البعض، لتقوم بحوار أخويّ طويل المدى، طول مدّة الأخوّة. وإنّنا في هذا المجلس، ليس عندنا أي ادّعاء بأن نكون كنيسة فوق الكنائس، أو أن نكون سلطة تفرض نفسها بطريقة ما على الكنائس الشقيقية، إنّنا مكان لقاء جديّ رصين وعميق، لا نكتفي فيه أن تكون الخطوط متوازية، ولكنّنا نشدّد على أنّها تصبح متقاطعة... لا شكّ أنّ هذا الاجتماع، ولا شكّ في أنّ هذا المجلس سيساعد كثيرًا ليس في اكتشاف الأخوّة فقط فقد اكتشفناها، ولكن في ازدياد تعميقها وجعلها واقعًا حياتيًّا عند الشعب وعند الكنائس العامّة... كلّ واحد منّا يعرف الآخر، نعيش تحت سماء واحدة، ونحن كلّنا نعبّر عن إنجيل ربّنا يسوع المسيح. هذا التعبير لم نقم به بعد كفاية، لم نترجم الإنجيل لعالمنا ترجمةً كافيةً، ولم نقم بالشهادة شهادةً كليّة. كان تعدّدنا دليلًا على انقسامنا، فليصبح منذ هذه الدقيقة تعدّدنا دليلًا على تعدّد المواهب، وليس على الانقسامات هنا وهنالك”.

حتّى بعد مرور 46 عامًا على ولادة المجلس، يتردّد صدى هذه الكلمات التي ما زالت واقعيّة وآنيّة إذ تشكّل أسسًا صلبةً لالتزامنا برسالتنا المسكونيّة في هذه المنطقة والعالم أجمع.

Previous
Previous

الجمعيّات العامة السّابقة لمجلس كنائس الشرق الأوسط

Next
Next

النظام الأساسي لعقد جمعيّة عامة لمجلس كنائس الشرق الأوسط