خلاصنا بدولة مدنية

Untitled-1.jpg

غبطة البطريرك الكاردينال مار لويس روفائيل ساكو

أود أن أنشر هذه الخاطرة على شكل نداء وطني ووجداني ونحن على أبواب الانتخابات.  وسط ما نعيشه من تجاذبات وولاءات وعدم استقرار، ومجهول يحاصرنا سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً،  نحتاج الى صحوة ضمير، ووعي مجتمعي لكي نتكاتف ونُعدّ غداً أفضل لمواطنينا.

واقع لا يتحمل الانتظار والسودان مثالاً
ابتداءاً، يتعين علينا أن نتفهم تحدّيات واقعنا وتداعياته التي لا تتحمل الانتظار، علينا ان نتخلص من الترسبات المعقدة. كمواطن عراقي عشتُ كل هذه الظروف منذ عقود، وبصدقٍ أقول اني لا ارى سبيلاً آخر للخلاص سوى تأسيس دولة مدنية secular، ديمقراطية قوية تقف على مسافة واحدة من الكل، دولة مدنية مثل معظم دول العالم وآخرها كان دولة السودان. اتمنى ان يشكل هذا الهاجس نقطة تحول رئيسية في اهتمام سياسيينا، من دون تحفُّظ، لأن فيها خلاصنا، ولأن الوطن هو الهوية الجامعة لنا، ويحتضن التنوع ويحميه. ولا يخفى على أحد ان الانسان والأوطان تاريخياً قبل الاديان.

المرجع الشيعيى الأعلى والدعوة الى قيام دولة مدنية   

من المفرح والمشجّع ان هذا الطرح ينسجم مع دعوة المرجع الشيعي الأعلى سماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني، التي وجّهها أكثر من مرة. فوجود المرجع الشيعى الأعلى، ليس واجهة لدولة طائفية، أنما يبرز دوره بخصوصية متميزة في إسداء النصيحة والارشاد في إطار الوطن.

المدنية (من المدينة) نظام يرتبط بحياة المجتمع بحيادية، ويحترم المكانة المستقلة للديانة وشعائرها ولا يقف ضدها. الدولة المدنية تسنّ قوانينها ودستورها على المواطنة، وبإنصاف تجاه كل شرائح شعبها. أساس الدولة المدنية هو ضمان حقوق جميع المواطنين وواجباتهم على قدم المساواة، وتوفير حياة كريمة لهم. ليس صحيحاً ان النظام المدني (العلماني) يناهض الدين، بل على العكس تماماً فالنظام المدني لا يحرم الاشخاص من حقّهم في ممارسة دينهم بحسب معتقداتهم، لكنه لا يجبرهم على  التديّن.

الأدلجة السياسية الدينية، وعودة إلى عهود  القرون الوسطى

الدولة المدنية تحتضن كل الأديان والثقافات والجماعات واللغات وتدير شؤونهم العامة بعدالة، وتحميهم أمام المخاطر. الدولة المدنية لا تتدخل في اختيارات مواطنيها الدينية ولا تؤدلج سياستها على دوغمائية (عقيدة) معينة تصنعها هي من أجل الوصول الى السلطة والهيمنة كما حصل في المسيحية في القرون الوسطى عبر “الحكم الالهي”، ويحصل هذا اليوم في طروحات تيارات “الإسلام السياسي”.

في الحالتين المؤسفتين السلطة هي الهدف وليس خدمة الإنسان. الدولة المدنية تحترم “حرية الضمير”،  فيها يستطيع المواطن ان يكون مسيحياً أو مسلماً أو من ديانة أخرى، ان يذهب الى الكنيسة او الجامع أو دار آخر للعبادة لممارسة شعائره الدينية بحرية، لكنها لا تجبر أحدا على اعتناق دين معين، فهذا حق شخصي لا إكراه فيه

هذا المقال نُشر على موقع بطريركيّة بابل للكلدان، لقراءة المزيد اضغط هنا.

Previous
Previous

رسالة مميّزة من الفاتيكان بمناسبة رمضان

Next
Next

سبع دول عربية على لسان البابا فـي يوم العيد